خرجت ميار من البيت وهى غاضبة. وبرغم ملامحها الطفولية البريئة الساذجة، وبرغم وجهها المستبشر الضاحك، فإنها كانت تصر على أسنانها من فرط الغيظ. ولو شاهدت الشرر المتصاعد من عينيها لطرت فى الهواء مسافة مترين.
الويل لكم أيها الرجال. ميار جاءت لتنتقم من هذه الكائنات البشعة، الكائنات الأنانية، الكائنات التى لا تدرى كيف تحتمل نفسها، كيف تقوى على مشاهدة نفسها فى المرآة دون أن تبكى وتنتحب. توطئة لأن تقفز من الدور العاشر، تكفيرا عن أنهم ذكور.
أعوى أيتها الذئاب. اصرخى أيتها الشياطين. عولى أيتها الرياح. اقصف أيها الرعد. أرعدى يا سماء. انهمر يا مطر. انزلى يا لعنات. اشهد أيها التاريخ. إن أهم فصولك يُكتب الآن. يُكتب بالدماء، يُكتب بالنار والإعصار. تكتبه ميار التى ستنتقم لكل النسوة اللواتى اضطهدن الذكر البشع. استغل ضعفهن ورقتهن وطيبة قلوبهن! أقنعنهن أنهن لا يصلحن إلا للكنس والمسح وتربية الأطفال والغسيل.
وقبل أن تستكمل خواطرها فوجئت بأبيها يبتسم لها فى رقة:
«ميار حبيبة بابا. رايحة فين يا سكر؟».
فوجئت ميار بأبيها يقف أمامها. وبسرعة رقت ملامحها. إنها تحب أباها كثيرا وهما فى الحقيقة أقرب لصديقين. قالت فى رقة: «مشوار كده يا حبيبى. حاشوفك على الغدا؟». قال وهو يتابع سيره: «إن شاء الله».
اختفى بابا وبقيت ميار فى حيرة. مفروض أن تكرهه لأنه ذكر. ولكن لا. يمكن استثناء بابا فقط من تلك الكراهية العنيفة لجنس الذكور. ولكنه ليس إخلالا بالمبدأ. أو تخليا عن انحيازها للمرأة. بابا هو الاستثناء الذى يؤيد القاعدة ولا ينفيها: «الرجال أوغاد». وقالت لنفسها همسا: «فيما عدا بابا طبعا».
والآن عليها أن تعود للغضب المقدس. ليس أسهل من ذلك. زامت ميار بصوت مخيف. كل ما عليها أن تتذكر ما فعله الرجال بالمرأة على مر التاريخ. تغسل وتكنس وتمسح وتطبخ وترعى العيال وتغير (الببى) و(الأأيى) –يعععع- بينما هو يخرج من البيت ليتصرمح. يتظاهر أنه يعمل ويكسب العيش ولكن الحقيقة أنه يجلس على المقاهى ويقزقز اللب ويغازل الغانيات الجميلات. فألف ألف لعنة على جنس الرجال.
ولكن مهلا. كان ذلك يحدث قبل أن تولد ميار. (المٌخلّصة) التى جاءت لتحرر النساء من عبودية طالت. (اسبارتوكس) الجديد.
وقبل أن تفكر ميار فى طرق الانتقام المروعة التى ستشوى بها جنس الذكور الوغد، فإنها فوجئت بأخيها طارق ينفصل عن شلة أصدقائه، ويقول لها بوجه طلق:
«ميار. كويس إنى شفتك. جبت لك هدية».
وأخرج من لفافة ملونة صغيرة بعض الإكسسوارات التى تطير لها عقول البنات. توكة على هيئة فراشة. وعقد على صورة قلب. وأشياء من هذا الهراء. طارق هو الشاب الوحيد الذى يفهم فى هذه الأمور العبيطة التى تعجب البنات. قالت فى حرارة: «ربنا يخليك يا طارق. انت بجد عسل».
وعاد طارق ليلحق بأصدقائه. تابعته ميار بنظراتها فى حب ثم بدت على وجهها الحيرة. هذا لا يخل طبعا بالوعد الذى قطعته على نفسها بالانتقام لجنس النساء.
لكن ميار وجدت صعوبة هذه المرة فى استعادة مشاعرها السابقة. ظهرت سيماء المظلومية على ملامحها الطفولية. هذا ظلم. كلما اندمجت فى مشاعر الانتقام التى تحملها (الفيمنست) تجاه الرجل، وجدت من يقطعها ويبدد اندماجها. هل هذا هو الوقت المناسب ليظهر بابا وطارق اللذان تحبهما أكثر مما تحب أى أحد آخر؟
ما يصحش كده. حرام! والله حرام!