من المثير للدهشة أن كثيرا من الأصوات التى تحاول النهش فى ثورة يناير كانت قبل 25 يناير تمارس العبودية المطلقة لنظام مبارك وتسبح بحمده وتطلب رضاه، كان كثير من هؤلاء يتملقون السلطة ولا يجرؤون على نقدها، ومجرد اتصال هاتفى من ضابط صغير يكفى لإثارة الرعب فى صدورهم لشهور عدة، ارتضوا هذا الجبن وهذا الصمت، ولم نسمع لهم صوتا معارضا بل وصلات نفاق شهيرة مثل طشة الملوخية وغيرها، وعقب قيام الثورة خضع كثير منهم لتحقيقات جهاز الكسب غير المشروع وثبت أن بعضهم تورط فى الاستيلاء على المال العام، وتم إجبارهم على إعادة بعض هذه المبالغ لخزانة الدولة، أما بعضهم ممن يتهم الثوار دوما باتهامات التمويل والعمالة فالوسط السياسى والإعلامى كله يعرف علاقته بشيكات نظام القذافى وصدام حسين وبعض السفارات العربية! الغريب أن هذه الوجوه البائسة حاولت التزلف لثورة يناير عقب قيامها وحاولت غسل سمعتها العفنة فى النفاق والموالسة، وبمجرد تعثر الثورة ووصول الإخوان للحكم صاروا موالين للإخوان وعرابين لهم، وبسقوط الإخوان تحولوا لأبواق للسلطة الجديدة وصاروا يعتقدون أن تشويه ثورة يناير زلفى وقربى من السلطة.
مع حلول الذكرى الخامسة لثورة يناير يجب أن نضع النقاط على الحروف.. شاء من شاء وأبى من أبى:
أولا: ثورة يناير هى أعظم ثورة مصرية فى التاريخ الحديث، ففيها كسر المصريون حاجز الخوف، وفيها استطاعوا التجمع على هدف واحد، وفيها آمنوا بأنهم يستطيعون تغيير بلادهم للأفضل.
ثانيا: كل ثورة حقيقية حدثت فى التاريخ توصف من الطرف الذى قامت ضده هذه الثورة بالمؤامرة، لأنها تسببت فى سقوطه وإذلاله، فمن الطبع أن يبغض سيرتها ويحارب شخوصها ويحاول تشويهها فى عيون الجماهير، لذلك يمكنك أن تعرف اتجاه الشخص وولاءاته بمعرفة موقفه من ثورة يناير، من العادى ألا يحب أحدهم ثورة يناير، لكن أن يشكك فيها ويشوهها فهذا ينبئ عما بداخله من تشوّه.
ثالثا: عرفت ثورة يناير المصريين الطريق للشارع، لذلك كل ما أتبع ثورة يناير من موجات ثورية يعود الفضل فيه لهذه الثلة من الشباب الذين تصدوا لجبروت نظام مبارك فى وقت خوف الجميع وصمتهم، لذلك ففضل هؤلاء الشباب باقٍ على رأس كل سلطة حكمت مصر بعد مبارك.
رابعا: لم يثبت أى اتهام حقيقى ضد الشباب الذين تشوههم الثورة المضادة وإعلامها، وكثير منهم يدفع الثمن سجينا بسبب آرائه ومواقفه المعارضة للنظام، لكن يبقى الشرفاء وأصحاب الضمير الذين يعرفون فضل هؤلاء الشباب ومدى إخلاصهم لبلادهم ولو كانوا أصحاب غرض أو باحثين عن منفعة لانضموا للمطبلين للنظام وحصلوا على عطاياه مثل بعض الساقطين.
خامسا: ثورة يناير انفجار وتطور اجتماعى وسياسى وثقافى ونفسى أصاب مصر، وستتوالى تداعياته خلال العقود القادمة، حتى تتحقق أهدافه مهما بدا غير ذلك، سيعيد الناس النظر فى خياراتهم ويسعون إلى نموذج للحياة يختلف عما عشناه خلال العقود الماضية، وسيصطبغ الوطن بلون الشباب وأفكارهم وإبداعهم والماضى إلى زوال.
كل عام وثورة يناير فى أرواحنا، وشهداؤها فى قلوبنا، وأهدافها أمام أعيننا، ستمر الأيام وتتبدل الأحوال ولن يصح إلا الصحيح.. هكذا يقول التاريخ وسنن الله فى الكون.