أمس 25 يناير.. ذكرى اليوم الخالد فى تاريخ الشعب المصرى، يوم أن أبهر العالم وأخرس فلاسفة السلطة المستبدة وحوارييها الذين أقنعوا أسيادهم بأن هذا الشعب طوال تاريخه لا يعرف إلا الخنوع والخضوع والخوف من العصا الغليظة.. أمس هو ذكرى اليوم الخالد الذى أظهر للعالم أن على هذه الأرض الطيبة العريقة يعيش شعب يمكن أن يقلب حسابات الدنيا كلها، بل يعلمهم أنه شعب يمكن أن يفعل ما لم يفعله شعب قبله فى العالم فى التاريخ الحديث، بحثاً عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.. أمس ذكرى بداية ثمانية عشر يوماً قضاها المصريون فى الميادين والشوارع بكل أنحاء مصر وهم مصرون على إسقاط الطاغية وزبانيته، وعلى هزيمة القهر والفساد والاستبداد، وبعد أن أعزهم الله وحققوا هدفهم خرجوا بالملايين يهتفون «ارفع راسك فوق انت مصرى»، وخرجوا إلى الميادين والشوارع ينظفونها ويُعيدون طلاءها، وكأن لسان حالهم يقول: هيا ننظف مصر ونطهرها من الدنس والأوساخ. إننى أثق تمام الثقة فى أن كل ما تحاوله عناصر الثورة المضادة والأبواق الإعلامية من خدم نظام مبارك الساقط الذين أضيرت مصالحهم وانكشفت عوراتهم، لن تُفلح فى حجب حقيقة هذا اليوم، أو طى صفحته المضيئة،
وأن يوماً قريباً سوف يأتى يكون الدرس الأول فيه فى جميع المدارس ومعاهد العلم يوم 25 يناير من كل عام، هو عن عظمة هذا اليوم فى تاريخ مصر الحديث، وعن شجاعة شباب هذا البلد الذى تصدَّر المشهد وأشعل فتيل الثورة، فانطلقت الملايين الهادرة فى كل شوارع مصر تهتف بسقوط النظام ورحيل الطاغية، بعد عقود عِجاف من الاستكانة والاستسلام والخوف.. وسوف يقف الأبناء والأحفاد يقرأون الفاتحة ويترحمون على شهداء هذه الثورة العظيمة من خيرة شبابها، وستعيد إلى الأذهان أسماء لن يمحوها الزمان لطليعة شابة وُلدت من رحم هذا الوطن، وضعت أرواحها على أكفِّها وخرجت من منازلها وهى تعلم أنها يمكن ألا تعود لأنها فى مواجهة غير متكافئة مع آلة بطش جبارة مجرمة من حراس أمن النظام التى لا يعنيها شىء سوى المحافظة على مراكزها ومكتسباتها، فاستُشهد منهم المئات وجُرح واعتقل الآلاف، فلم يلن لهم جانب، ونفخوا فى روح الشعب من حيوية شبابهم وصدق وطنيتهم وقوة عزيمتهم، ما جعل روحاً جديده تسرى فى النفوس، طردت أرواح الخوف والرعب والرضا بالمذلة والمهانة إلى الأبد. إن كل ما شهدته مصر منذ خمس سنوات حتى الآن من تحولات إيجابية فى مجالات مختلفة بدأ بثورة يناير على الحكم المباركى الغاشم.. وفى المقدمة من هذه التحولات ما شهدته مصر فى 30 يونيو من تحرك بالملايين فى الشوارع والميادين لإقصاء حكم فاشل، وهو ما لم يكن سيحدث لولا الروح العظيمة التى سرت فى جسد هذا الشعب منذ ثورة يناير، وجعلته يشعر بأنه يقدر على المستحيل، فخرجت الملايين مرة أخرى تواجه حكم عصابة تدثَّرت برداء الدين لعقود، واستغلت عهود الاستبداد والطغيان فى عهدى السادات ومبارك لعقد الصفقات معهم، والتنسيق ضد قوى التقدم والحرية والعدل الاجتماعى، والتمكن من بناء قوة تنظيمية مسلحة، فاستطاعت بالتعاون مع النظام الذى خلف مبارك، وبكل ما فى الدنيا من خبث ودهاء وكذب واحتيال، أن تقفز على موج الثورة الهادر بسفينتها التى لا تحمل إلا الخراب لهذا الوطن.. فكانت إزاحة حكم الإخوان بعد سنة واحدة ثمرة من ثمرات ثورة يناير وروحها العظيمة، بعد أن تصور البعض أنه من المستحيل حدوثه قبل مائة عام. مازال فلول مبارك والذين كانوا مستفيدين من فساد نظامه، وهؤلاء الذين نشأوا وترعرعوا فى كنف النظم الاستبدادية والفاشية التى حكمتنا لعقود، الذين يفضلون العبودية على الحرية، والدناءة على الكرامة، والجبن على الشجاعة، مازال الكثير من هؤلاء فى وسائل الإعلام يحاول جاهداً العبث بعقول البسطاء والجهلاء بكل ما لديهم من قدرة على الكذب والخداع، وباستخدام كل الأساليب المُنحطة لتصوير أن كل ما تشهده مصر الآن من سلبيات، يقف أمامها النظام الحالى عاجزاً، كانت ثورة يناير السبب فيه!، يتناسون أن التدهور الاقتصادى والديون المتراكمة والخدمات المتدنية من مياه ومجارى وكهرباء ونقل وصحة هى ميراث سنوات السلب والنهب والفساد والإفساد فى عهد مبارك، وليس ثورة يناير.. يتناسون أن الإرهاب وتوطنه فى سيناء قد بدأ فى شمالها منذ أيام الطاغية وتحت عيون رجال أمنه، متزامناً مع إهمال شباب الأمة واستفحال البطالة وانعدام العدل وانتشار الجهل والمخدرات.. ويتناسون أن وصول الإنسان المصرى الآن لحالة مُزرية من التخلف والتجريف العقلى إنما هو ثمرة منظومة تعليم فاشلة وثقافة متحجرة وإعلام فاسد لعقود طويلة، بينما لا يفكر رؤوس النظام البائس إلا فى كيفية نهب مقدرات هذا الشعب وسرقته، وليست أبداً ثورة يناير. فى ذكرى هذا اليوم العظيم قف يا شعب مصر إجلالاً واحتراماً لذكرى شهداء هذه الثورة العظيمة، وارفعوا رؤوسكم وأنتم تفخرون بأنكم شاركتم فيها، ولتُنكس رؤوس الفلول والذيول والأذناب والخدم والعبيد إلى الأبد.