منال بهي الدين: ابني عمره 4 سنوات وزار والده في 3 سجون

زوجة علاء: أصبحت الأب والأم لطفلي.. والأمن يراجع خطاباتي إلى زوجي
كتب: هبة الحنفي الأحد 24-01-2016 23:12

في إحدى زوايا البيت أخذت منال بهى الدين، زوجة علاء عبدالفتاح، ورفيقة دربه، مقعدها فى الجلسة، بينما يطوف حولها من حين لآخر أهم أفراد الأسرة على الإطلاق، صاحب الـ4 سنوات (خالد)، ابن علاء، الذى لا يدرك أين والده؟ ولماذا هو دون كثير من الأطفال مضطر أن يشاهد أباه وسط حراسة مشددة كل أسبوعين؟

بعد ما يقرب من 10 سنوات، عاشت فيها «منال» مع حبيبها ثم زوجها «علاء» تضطر الآن إلى العيش بمفردها مع طفلها فى منزل أسسته بكل تفاصيله مع زوجها الغائب، الذى كان آخر مشهد رآها فيه أثناء القبض عليه من منزله هو «الاعتداء عليها من قبل أفراد الشرطة»، وفقاً لقولها.

قبل سنوات قرر «علاء ومنال»، صاحبا مدونة إلكترونية تحمل نفس اسميهما، أن يؤجلا قرار الإنجاب بعد زواجهما عام 2002 حتى تتحسن أحوال البلد وظروف معيشتها، وعقب ثورة يناير قررا معاً إنجاب «خالد»، تيمناً بـ«شهيد التعذيب» خالد سعيد، وكانا يأملان أن يعيش ابنهما حياة أفضل من تلك التى عاشها والداه وأجداده، وافترضا أن الثورة من المؤكد أنها حملت معها قدراً مختلفاً.

زوجة علاء عبد الفتاح ونجله خالد

لم يكن حدسهما سليماً، كما تقول «منال»، ودخل «علاء» السجن أثناء حمل زوجته حتى إن الرضيع أبصر أيامه الأولى دون أبيه، وفى عمر يومين عرف «خالد» طريق السجن مع والدته، وزار والده الذى كان يرتدى زى السجن الأبيض فى السجن، ما جعل الأخير «يتنطط»، مثلما وصفت «منال» شعور زوجها، حين شاهد طفله لأول مرة. أعوام قليلة مرت على اللقاء الأول للأب والطفل داخل السجن، ليعيد الأمر كرَّته الآن، لكن «منال وعلاء» ليسا نادمين على قرار إنجاب «خالد»، رغم أن الأوضاع السياسية فى مصر أسوأ بكثير مما كانت عليه فى السابق، وفقاً لرأى «منال» التى قالت: «الأوضاع أسوأ ومخيفة أكتر لولادنا وولاد الجيل الجاى، وفيه مخاطر، وفيه ولاد بيتحبسوا وبيتحكم عليهم محاكمات عسكرية، وبيتخطفوا وبيموتوا، محدش عارف حياته هتبقى عاملة إزاى، بس مش ندمانة».

بهدوء تحدثت «منال» عن صغيرها «خالد»، قائلة إنه يبلغ من العمر 4 أعوام قضى منها «علاء» أكثر من سنتين فى السجن فى قضايا مختلفة، ما جعله بعيداً عن ابنه لمدة تصل إلى أكثر من عمر الطفل، وربما أسوأ ما تتذكره «منال» هو اللحظة التى نام فيها «خالد» فى حضن أبيه ثم استيقظ ليجد نفسه وحيداً وسط أناس كثيرين ليس من ضمنهم «علاء»، وتتوسطهم والدته المعتدى عليها بالضرب.

زوجة علاء عبد الفتاح مع ابنها خالد

تحكى «منال» قصة القبض على «علاء» وتأثير ذلك على ابنها قائلة: «خالد كان تعبان، ودخلت أنام، وعلاء أخده فى حضنه وحاول ينيّمه فى السرير، وده آخر مشهد شافه خالد، وصحى من النوم، ملقاش بابا فى حضنه، والبيت زحمة، وناس كتير ميعرفهمش، وكان فى حالة توتر، وهو حساس فبيلقط الأحاسيس، وحس إن فيه حاجة غلط».

الأمر أثر فى نفس «خالد» كثيراً، وتقول «منال» عن ذلك: «لما اتسجن علاء خالد اتأثر، ومهما كان بيلعب أو بيتفرج على الكارتون اللى كان بيحبه كان كل شوية يجرى ويشوفنى أنا فين ويحضنى ويطلع يجرى تانى، وكنت بحس إنه حاسس طالما واحد اختفى، ما يمكن التانية تختفى هى كمان، كان مخضوض، ومكنش فاهم، إن باباه اللى معاه فى كل حاجة مبقاش موجود، فده كان مخليه قلقان».

خالد ابن علاء عبد الفتاح

تلك الذكريات ربما مُحيت من عقل «خالد» لكونها حدثت وهو أصغر، لكن ذكريات أخرى تتشكل الآن فى وعيه، أبرزها أن لديه أباً بعيداً عن حياته اليومية، ويضطر إلى زيارته فى سجن مشدد كل أسبوعين، ويحتفل بعيد ميلاده وجميع مناسبات أقاربه فى السجن وسط السجناء والقيود ورجال الأمن.

تعانى «منال» من منعها من إرسال الخطابات الشخصية إلى زوجها، والتى تحكى له فيها تفاصيل ابنها الشخصية، لكن- على حد قولها- أحد الضباط يأخذ منها الخطاب فى الزيارة، ثم يرسلها للأمن الوطنى، ثم تصل إلى «علاء» بعد شهور، وقد لا تصل نهائياً.

زوجة علاء عبد الفتاح مع ابنها خالد

لا تستطيع «منال» توقع مستقبل «خالد» فى ظل غياب والده، قائلة إنها تشعر دائماً بالخوف عليه ليس فقط لكونه ابن علاء عبدالفتاح، وتتمنى حين يكبر ألا تسير به الأقدار إلى حيث طريق والده، وألا يضطر إلى تعريض حياته للخطر أو الحبس، مؤكدة أنها حين تفكر فى مستقبله فهى لا تتذكر سوى صورة «أنس»، الشاب الذى مات فى مذبحة بورسعيد، وهو ليس ابناً لأى ناشط سياسى أو شخص معروف، كما أنه لم يكن فى أى حدث سياسى، ولكن ذلك لم يمنعه من الموت قتلاً فى مذبحة. أكثر من أى فرد آخر بالأسرة تمتلك «منال» أموراً مختلفة بعض الشىء، أساسها أنها فى تلك المرحلة تضطر أن تمثل الأم والأب والزوجة ورب المنزل فى آن واحد، وهى- رغم ظهورها ناجحة فى ذلك- تفتقد زوجها كثيراً، وتقول: «أنا وعلاء شركاء فى كل حاجة، إحنا لازقين فى بعض والناس مش فاهمة ده، وبنعمل كل حاجة مع بعض، وفجأة هو اختفى من كل ده، وأنا عايشة لوحدى، الأب مش موجود، أنا اللى لازم آخد بالى من كل حاجة، أنا بعزّل فأنا اللى لازم أبنى بيت جديد لوحدى، وخالد بيكبر، وأنا اللى باخد بالى من كل حاجة، حضانة، وتطعيمات والدكاترة والمدرسة».

خالد ابن علاء عبد الفتاح

اعتاد «خالد» زيارة والده فى السجن، لكن «منال» لم تعتد أبداً غياب زوجها، قائلة إنه كلما مرت الأيام فى سجن «علاء» كانت الأمور أصعب وأكثر وجعاً، وتنتظر اللحظة التى ستقول فيها لـ«خالد» إن «بابا فى السجن مش علشان هو وحش، لكن هو كان بيحاول يعمل حاجات كويسة، وفى ناس مش عاجبها ده، وفى ناس مبتسبش الناس الكويسة يحسنوا البلد تعمل ده وبتقبض عليهم وبتوديهم السجن».

«خالد فى عمره ده دخل 4 سجون، زار علاء فى 3 سجون، وزار سناء في سجن القناطر، وده كتير علينا قوي».. بوجع لا يُنقص من صاحبه شيئاً قالتها «منال»، زوجة «التنين البمبي»، مؤكدة أن النظام حرم «خالد» من والده، الذى لا يُعوّض غيابه عن ابنه أى شىء، حسب تعبيرها.