الفشل أخطر من الثورة

عمرو الشوبكي الأحد 24-01-2016 13:46

هناك خوف مبالغ فيه من ثورة ثالثة فى مصر، وهناك اصطناع للخوف والفزع من ٢٥ يناير أخرى، وهناك محاولات خبيثة لربط الإرهاب بثورة يناير، وكأن الإرهابيين لهم أى علاقة بأى ثورة سواء كانت يناير أو يونيو.

الخوف من يناير كما كتبنا، الأسبوع الماضى، خوف زائف، لأن ما يجرى الآن هو أعراض لمرض استمر منذ ٤٠ عاما، وأن «يناير» كانت بالنسبة لأغلب مَن شاركوا فيها فعلاً اضطرارياً، بعد أن أغلق النظام القائم أى فرص للإصلاح وترك البلاد أسيرة الركود والفساد ومشروع التوريث.

الإرهاب الذى تشهده مصر لا علاقة له بثورة يناير، ولا يمكن أيضا اختزاله فقط فى غياب الديمقراطية وحملات الاعتقالات الواسعة ولا فى تدخل الجيش فى السياسة، وإلا لماذا ضرب الإرهاب تونس، التى بها جيش صغير لا علاقة له بالسياسة، أو أوروبا الديمقراطية، التى تشهد شوارع باريس على وجود إرهاب فاق ما جرى فى عواصم عربية وإسلامية كثيرة؟!

يقيناً خطر الإرهاب على مصر حقيقى، ولكنه خطر مركب، ومحاولة البحث عن شماعة سهلة من كل الأطراف، لتحميلها مسؤولية الإرهاب، لن تقضى عليه، ولن تحاصره، ولن توقف نزيف الدم والشهداء.

إن الشهداء الأبرار الذين سقطوا، نهاية الأسبوع الماضى، فى العريش، ثم فى الهرم، هم وجع فى قلب كل مصرى طبيعى، والتعامل مع الإرهاب بإدانته وإعدام مرتكبيه وترديد جمل من نوع «لا حقوق إنسان للإرهابيين» لن يحل المشكلة ما لم يُفتح ملف أسباب الإرهاب والتمييز بين أنواعه المختلفة لمواجهتها، وليس لتبريرها كما يردد بعض «الهتِّيفة»، الذين صاروا شركاء فى دماء هؤلاء الشهداء.

يقيناً الإرهاب بكل أشكاله مُدان، إلا أن وسائل مواجهته وأولوياتها تختلف من سياق لآخر، فلا أحد فى العالم كله يختلف على أن إحدى أبرز وسائل مواجهة الإرهاب تتمثل فى المواجهة الأمنية، التى لا تكتفى فقط بنشر الجنود ودك أوكار الإرهاب، إنما فى متابعة ما يجرى على الأرض بشكل يومى ودقيق، ومعرفة أوجه القصور، التى قد تصيب القوى الأمنية فى معركتها مع قوى الشر والإرهاب والعمل على تصحيحها.

والسؤال الذى يجب أن يُطرح بعد كل اعتداء إرهابى على كمائننا الثابتة: هل نحن بحاجة إلى تعريف جديد لمعنى «الكمين الثابت»؟ الإجابة على الأرجح بنعم، وهو لا يعنى اختفاء هذه الكمائن، إنما تقليلها وتأمينها بوسائل حديثة، ووضع صيغ للتدخل الأمنى السريع فى مواجهة أى حادثة إرهابية وليس فقط الكمائن الثابتة. هل هناك تقصير أو خطأ فى حسابات قيادات «الداخلية» فى التعامل مع كمين العريش أدى إلى سقوط ٣ ضباط وثلاثة أفراد ضحايا الاعتداء الإرهابى الغاشم؟ الإجابة وارد، إذن لماذا لا نراجع أخطاءنا وأوجه القصور، رغم إقرارنا بأن الحرب على الإرهاب ليست سهلة؟! ولكن أول طريق النجاح هو الاعتراف بالقصور إذا حدث دون إخفاء أو مواربة، لأن هذا معناه حماية أرواح مئات من رجال القوات الأمنية، بتصحيح الأخطاء والقضاء على نظرية «كله تمام»، التى تساهم فى سقوط مزيد من الضحايا وزيادة حجم العمليات الإرهابية.

الإرهاب يحتاج عملياً لمواجهة سياسية واجتماعية قادرة على وضع مصفاة تعدل من مسار الإرهابيين المحتملين قبل حمل السلاح، وتجعل من كل ١٠٠ إرهابى محتمل واحداً فقط حقيقياً، وذلك بإجراءات سياسية واجتماعية مازالت غائبة، حتى لا تتحمل قوات الأمن وحدها فاتورة الأزمة السياسية والاجتماعية والإقليمية.

رحم الله شهداء العريش والهرم، فهم أنبل شباب مصر، ورحم كل شهداء الوطن.

amr.elshobaki@gmail.com