عندما سُجِنَ السيسي مرتين!

جرجس فكري السبت 23-01-2016 21:22



صباحها مثل ليلها.. هكذا انتقمت منها الوحدة بغياب أقرب البشر إليها.. لا ابتسامة على ملامح وجهها ما دامت آلام الفراق تعيش بداخلها، كل شبر في منزلها كان شاهدًا على الذكريات. عامان مضيا وهي تحلم باللقاء الثاني بعد "الهجر القسري"، إلى أن جاء صباح مختلف، ربما جدد الأمل داخلها مرة أخرى، مكالمة هاتفية صنعت المعجزة، أحيت الروح التي ماتت تحت أنقاض الفراق.. "زوجك أشرف شحاتة في السجن"...
كلمات ربما يغوص القلب فيها حزنًا لمجرد سماعها، لكن في مصر تجد من يرقص مع كل حرف فيها.. نعم! رقصت مها مكاوي من فرحتها بسماع "أن زوجها مسجون".. أخيرًا سترى زوجها بعد غياب عامين، أخيرًا ستلتقي العيون والأشواق، أخيرًا تبكي حبًّا وسعادة وليس حزنًا من قسوة الغياب، كالطفل التائه العائد إلى أحضان أمه، هرولت إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان بعدما أعلن عن قائمة المختفين قسريًّا، تلك القائمة التي كانت تحمل لها البشرى لورود اسم زوجها فيها.. في طريقها تخيلت أول حديث مع زوجها الغائب بعد مرور 730 يومًا من الفراق، لكن يبدو أن جحيم الذكريات أبى إلا أن يكشف لها خطأ وتشابهًا في الأسماء لتعود مرة أخرى إلى اللا حياة.

أشرف شحاتة لم يكن مجرمًا، كان عضوًا في حزب الدستور واختفى منذ عامين.. تقول زوجته: "إنه اختطف قسريًّا من قبل الأمن"، لا يشغلني أي صراع سياسي أو ثوري، لا أبحث عن إجابة لسؤال هل هرب أم اختطف؟ لكن ما يشغلني عذابات تلك المرأة، الإنسان قبل السياسة.. زوجة تحزن عندما لا تجد زوجها في السجن..! هذه ليست نكتة تلك هي الحقيقة... هكذا قتلوا فينا أبسط معاني الإنسانية.

هذا المقال ليس ثوريًّا ولا يخدم أيضًا السلطة، هذا المقال لمن لا يزال محتفظًا بإنسانيته.

لا أطلب منك أن تدافع أو تهاجم "أشرف شحاتة"، لكن تذكر زوجة لخصت أحلامها في لحظة لقاء مع زوجها حتى لو كان في السجن.

يقولون "امرأة فاضلة من يجدها"، أقول لهم "لقد وجدها أشرف شحاتة".
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، بابتسامة ساخرة سألني هذا الصحفي القريب من السيسي.. "لماذا تنتقدون السيسي؟"، أجبته بسؤال آخر: "وهل الانتقاد حرام؟ هل وصل الحال إلى تحريم الانتقاد؟"، لم يتحمل حديثي الممل، فبعد كل تلك الدماء في الميادين أصبح الحديث عن الحرية رفاهية، وبلغته تحدثت بكلام من الذي التي تعشقها الغرف المغلقة، فقلت له "الإجابة غير الدبلوماسية، لأن من حمى السيسي من السجن في السجن الآن أو يموت على الحدود"، وأعاد عليّ ابتسامته الساخرة مرة أخرى: "مين يا بني اللي حمى السيسي من السجن؟"، تحملت هذه الابتسامة وأجبته "هل سألت نفسك ماذا كان سيحدث لو فشلت مظاهرات 30 يونيو؟ هل تتذكر عندما قال لنا القيادي في جماعة الإخوان "بعد 30 يونيو الدنيا هتختلف تمامًا عما كانت قبل ذلك"؟ هل سألت نفسك "ماذا سيكون مصير السيسي؟" وبمنتهى الفخر قال: "الشارع والجيش وراءه"، وتبدلت الأدوار، واستعرت منه تلك الابتسامة الساخرة لكن بدفعة ساخنة من الحديث رددت "لو فشلت 30 يونيو كان السيسي إما في السجن أو سيطاح به، ووقتها كان من في السجون الآن سيكونون في الصفوف الأولى في مظاهرات لن يتركوها مهما حدث، والجندي الذي يقتل على الحدود سيرفع سلاحه في وجه من يسرق جيشه، أين هؤلاء الآن المقبرة أو السجن، هذا ليس المستقبل الذي نحلم به".
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

ظهر اسمه على هاتفي، لقبه اقترن بشباب الثورة على أجندة التليفون، لكن طلبه كان صادمًا، فكنت معجبًا بحديثه عن الحراك الثوري والمبادئ، لكن الحقائق لا تظهر أمام أضواء الكاميرات، ليطلب مني هذا الشاب الثائر وقتها بعد مرور 6 أشهر على ثورة 25 يناير، رقم هاتف رجل الأعمال نجيب ساويرس، وعندما سألته على السبب قال "عايزين نعمل مصلحة الحالة ضنك".

هذا الشاب الآن من رجال النظام ويجلس في أول الصفوف بمجلس النواب.

الشاب الثوري وجد طريقه ونسي هاتف نجيب ساويرس، وبحث عن هاتف الرئيس.
من ينعم بمصير 30 يونيو الآن، أولئك المنافقون الذين هربوا من المقبرة والسجن وتاجروا بكل شيء حتى الإنسانية والموت.

أسأل الرئيس كيف تثق في هذا الشاب وتجعله في صفوف مؤيديك؟! فغدًا سيسأل عن أرقام هواتف معارضيك عندما تنقضي "المصلحة".

أسهل الطرق أن يلتف حولك المنافقون فأنت السلطة، وأصعب الطرق ولاء وتأييد من في السجون، لكنه ولاء يستمر معك حتى لو رحلت السلطة عنك.
......................................................................................
قال لي "إن الدولة أيقنت أن الشباب خط أحمر"، كان حديثه ثائرًا وحالمًا أكثر مما ينبغي، وبعد أسبوعين كان داخل السجن.. لم يكن أحمد دومة ساذجًا، لكنه كان يفترض حسن النية، أخطأ دومة ورفقاؤه عندما تبنوا خطابًا ثوريًّا "غشيم" لا يصل إلى الشارع ولا يقنعه، لكنهم لا يستحقون السجن.

"من كان منكم بلا خطيئة فليرجم دومة أولا بحجر".
قرأت خبر القبض على دومة، وسألت نفسي لماذا لم يختر هذا الشاب مصير زميله الآخر؟ ربما كان الآن جالسًا بجواره في مجلس النواب!
الإجابة لأن هذا الوطن يبغض الأنقياء.

الخائن يخون من أجل حياة أفضل ومال أكثر، وليس السجون وحياة الظلام.

‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘
هل رأيت يومًا شابًا يطلب الموت؟! في مصر تجد شبابًا يضحون بحريتهم وحياتهم من أجل وطنهم، هكذا تمنى الشهيد إيهاب لطفي، هذا المجند الذي طلب الخدمة في سيناء لينال الشهادة، ورحل والابتسامة على وجهه، حقق أمنيته بعد مطاردته لعناصر إجرامية.

لا يشغلني إن كنت ترى دومة خائنًا أو المجند إيهاب ضحية الانقلاب.

فما زلت أبغض تلك السياسة التي قتلت إنسانيتكم، جعلتنا نفتخر بدماء أنصار مذهبنا السياسي ونبتسم لموت أو سجن من يختلف معنا.

من ضحى بحريته في السجن مثل من ضحى بحياته من أجل الوطن، كلاهما يحب الوطن بطريقته، فمتى تتوحد تلك التضحيات من أجل وطن آيل للسقوط؟ نعم! إنها أحلام وردية، لكن الواقع أيضًا أن الدماء لا تبني الأوطان.
...............................................

أفلت السيسي من مصير السجن الأول واختار سجنًا آخر، تلك التقارير الأمنية سجن أبشع، تقول التقارير الأمنية عن فلان "متعاون جدًا"، لكنها لا تقول إنه أيضًا كان "متعاون جدًا" مع مبارك!! وباعه في أقرب محطة.
هل سألت نفسك يا سيادة الرئيس عن تاريخ الصحفي الذي لديه جدول مواعيد نومك، كان أيضًا لديه جدول مواعيد نوم مبارك ومزقه عندما رحل..؟.

يا سيادة الرئيس لو امتلكت "لاب" أو "موبايل أندرويد"، ووقع هذا المقال أمام عينيك صدفة لأنه ليس له مكان داخل تقاريرك، فتأكد أن حديثي ليس خطابًا ثوريًّا تكرهه وتعتبره منزوع الواقع، هو حديث سياسي براجماتي، أنت تحتاج تأييد شاب ضحى بحياته وأضاع أحلى سنوات عمره من أجل مبادئه، تأييده لك ضمانة لشعبيتك واستمرارك أثناء السلطة وبعدها، هؤلاء يخلدون ذكرك دائمًا.

قرارات العفو أو الإفراج عن الشباب ليست خطوة للمصالحة، فتصحيح الخطأ ليس إنجازًا يذكر.

البداية هي الحوار، تجد فيه من يثور وآخر يسخر، لكن هدفك في من يريد أن يسمعك وتسمعه.

سينصحونك ويقولون "هكذا تسير الدولة"، وتمتلئ السجون يومًا بعد يوم، لكن سيأتي يوم يتحدث الصامتون، ووقتها سيهرب الناصحون، ويصبح الحوار مع من في السجون حلمًا لدى السلطة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

أذكرك مرة أخرى.. هذا المقال ليس ثوريًّا أو يخدم سلطتك.

الشارع يتوقع مرور 25 يناير مرور الكرام كذلك الغاضبون من النظام الحالي أيضا.. فالسلطة وحدها تشعر بالقلق.. (اللي على رأسه بطحة يخاف من 25 يناير).

المظاهرات ليست حلاً، والصندوق الذي نحتكم له في النهاية سيعيدنا للمربع صفر ما دامت الثورة بعيدة عن المواطن العادي، واستمرار تلك السياسة الغاشمة أيضًا يقودنا إلى الفوضى.

الثورة عندك عزيزي الثائر حرية والثورة عند المواطن "لقمة العيش"، إذا أردت التغيير اذهب إلى المساحات المشتركة.

الدولة تحارب الإرهاب، هذا واقع حتى لو سخرت منه، والواقع الآخر أن الدولة فشلت في توحيد صفوفها وشبابها في محاربة هذا الإرهاب.
حديثنا عن السجون والحريات ليس منفصلا عن الواقع، فعندما تقتل الحرية تصنع إرهابًا؟.

في مواجهة الإرهاب لا تصنع إرهابًا آخر جديدًا بيدك، فكيف تصنع إرهابيًّا وتشكو عندما يقتلك؟