متى يصل زعفران إيران لساحة الحسين؟

أحمد ناجي السبت 23-01-2016 21:19

من أهم إنجازات الرئيس السيسي على المستوى الخارجي منذ وصوله لكرسي الحكم وحتى الآن هو احتواء العداء الذي كان قد تصاعد في السنوات الأخيرة اتجاه حزب الله وإيران. والشكر للزميل الصحفي محمد حسنين هيكل للدور الذي لعبه في هذه الهدنة مع وصول السيسي للحكم. حيث توقف الإعلام المصري عن مهاجمة حزب الله، وبعدما كان الحزب متهماً أساسياً في كل قضايا الثورة واقتحام السجون مع حماس، اختفي اسم الحزب من كل هذه القضايا، وبالمثل توقف الحزب وزعيمه حسونة عن انتقاد النظام المصري أو التعليق على الشأن المصري.
هذا التقارب كان تمهيداً لتقارب آخر لا يخفى على أحد بين المجرم بشار الأسد والنظام المصري. لكن فجأة توقف الانفتاح المصري على المحور الإيرانى عند هذا الحد. ورغم التزام جميع مؤسسات الدولة بهذا التغيير والسياسية الجديدة، يظل الأزهر هو المؤسسة الشاردة عن القطيع والتى تعاظم دورها في الفترة الأخيرة، حتى أصبح يتحرك ويصدر بيانات سياسية خارجية دون الرجوع لوزارة الخارجية المصرية.
تصريحات الأزهر تزداد تشدداً اتجاه الشيعة وإيران، وبينما يتساقط شهداء الشرطة والجيش في حربهم ضد الإرهاب، فالأزهر مشغول بإصدار بيانات النعي لشهداء قوات التحالف العربي في حرب اليمن. لكن هذا أمره تفصيله يطول، نحن ندفع ثمن عقود من احتكار التمويل السعودى والخليجى للأزهر، حيث وصلنا لوضع أن أكثر من نصف أساتذة الأزهر حصلوا على درجة الدكتوراه من جامعات سعودية. بدلاً من أن يأتى رجال الدين السعوديون للدراسة في الأزهر فشيوخ الأزهر الآن هم أبناء الجامعات السعودية، لكن مع ذلك مستمرون في الحديث عن ريادة المؤسسة الدينية المصرية، والترويج لوهم أنها الأمل في محاربة التطرف.
** *
بعد رفع العقوبات عن إيران بدأت عملية إعادة أموالهم المجمدة طوال سنوات التى تصل في بعض التقديرات لحوالى 80 مليار دولار. العالم كله الآن يتسابق لجذب الاستثمارات الإيرانية أو لتعزيز التعاون مع السوق الإيرانية. لأكثر من ثلاث عقود عاشت إيران في حصار دولي، ويمكن أن نتخيل الآن مقدار الفضول والرغبات الاستهلاكية لعقود والتى أخيراً يمكن أن تعبر عن نفسها.
حينما أقول العالم كله يسعى إلى رفع الاستثمارات مع إيران فأعنى العالم كله ما عدا بلدنا الحبيب مصر، ربما لأن المسئولين عنه لا يرونها جزءا من العالم. فإذا اتجه العالم شرقاً اتجهوا بمصر غرباً، وإذا ذهب قوماً للماء ساقوا دابتهم نحو الصحراء ظلمات فوق ظلمات فوق أفئدتهم، لكن ماذا نقول؟ هذا أمر شرحه يطول ولا يلزم فالكل يعرف.
العالم الذي أتحدث عنه يشمل حتى الدول الخليجية، سلطنة عمان على سبيل المثال بدأت في تنفيذ خط أنابيب غاز مع إيران ضمن عقد مدته 25 عاماً بقيمة 60 مليار دولار، أما في دبي والإمارات، فالاستثمارات الإيرانية بالمليارات، وهى ليست أموال رجال أعمال إيرانيين فقط، بل حتى رموز في النظام السياسي الإيراني. وبعد رفع العقوبات عن إيران يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يحتل الاستثمار الإيرانى في قطاع العقارات فقط في دبي المركز الرابع.
لا يمكن أن نزايد على دول الخليج في حب السعودية، فالروابط التى تربطهم ليست روابط العروبة والجيرة فقط، بل روابط الدم وعلاقات قبلية وعائلية. ورغم هذا الحب للسعودية وتأييد خطواتها ودعمها في صراعها مع إيران، لكن هذا لا يعنى قطع العلاقات أو إيقاف الاستثمارات الإيرانية، بل على العكس يسعون إلى الانفتاح ورفع قيمة التعاون الاقتصادى مع إيران.
** *
باستثناء الأزهر وذراعه السلفية، فلا أظن أن أحداً في مصر لديه مشكلة حقيقية في التعاون مع إيران، وهى الخطوة التى إذا تأخرت سنخسر الكثير من فرص الاستثمار والتعاون، فإيران سوق جديدة، كل الشركات من جميع دول العالم تسعى لدخولها، وجميع الدول تسعى لجذب الاستثمارات الإيرانية التى ستتزايد مع بيع إيران للغاز والبترول والحصول على بقية أموالها المجمدة.
لمصر في الوعى الإيرانى قيمة كبيرة وحضور روحى من المؤسف ألا نستخدمه أو نحاول تسويقه، فمصر هى أرض الحسين- رضي الله عنه- ومدافن آل البيت موزعة على طول نهر النيل المصري، وهم أولياء وشفعاء المصريين.
من مصر أيضاً تطور المذهب الشيعي وتخلى عن سريته التاريخة ليصبح دولة ومجتمع في عصر الدولة الفاطمية، كان أول استقلال وظهور لمصر الإسلامية المستقلة عن الخلافة العربية في عهد الدولة الفاطمية وآثارها حولنا، وهى من أجمل ما نفتخر به، وعلى رأسها جامعة الجامع الأزهر الشريف الذي أسس في البداية كمؤسسة دينية شيعية.
هذا التاريخ والحضور الروحى لمصر وأماكنها في الوعى الإيراني يمكنه أن يحول مصر إلى قبلة السياح الإيرانيين، فبعد انصراف الأوروبيين، وانتقال السياحة العربية إلي بيروت والمغرب. لنتخيل كمية الحجاج الإيرانيين الذين قد يأتون فقط لزيارة ضريح الحسين. والسياحة خير لنا.
لا داعى لأن يكون الانفتاح الإيرانى مرتبطا بقطيعة سعودية بأى شكل، ويجب أن يتوقف الإعلاميون والزملاء الصحفيون عن النظر للأمور بوجهة أحادية، فالانفتاح على إيران لا يعنى القطيعة مع السعودية أو السلفية الوهابية، هو فقط مُحَاولة لإضافة قليل من الزعفران الإيرانى حلو الطعم فوق الأرز المصري. فكروا في المستقبل، واحلموا معى، إخوتى، خصوصاً شيوخ الأزهر برائحة طبق الفتة في رحاب الحسين تزينه حبات الزعفران الإيرانى الأحمر الجميل.