أخشى أن تكون هناك رغبة خفية، ولا تسألنى ممّن، فى أن تكون هذه بالضبط هى صورة البرلمان لدى الناس، وأن يكون الانطباع الأول من جانب الرأى العام فى عمومه أن هذا ليس برلماناً وأنه، من خلال أدائه فى الأيام الأولى له، لا علاقة له بالبرلمانات التى يعرفها العالم، ولا حتى بالبرلمانات التى عرفتها مصر نفسها فى عصور مضت!
أما وجه الخطر هنا، فهو أن الانطباع الأول يدوم، وأن تغييره بانطباع آخر مختلف يظل فى حاجة إلى جهد كبير، ووقت أكبر.. وقد لا يتغير رغم ذلك، فى النهاية، ويبقى كما هو!
ولابد أن العمل على تصوير انطباع مختلف عن مجلس النواب، مسألة تخص نوابه وحدهم، لأنهم هم الذين فى أيديهم أن يدعموا مثل هذا الانطباع السيئ، حتى الآن، وأن يعززوه، أو أن يفعلوا، وبسرعة، ما يجعل كثيرين من المصريين يغيرون ما استقر فى وجدانهم عن البرلمان، وعن أدائه، وعن صورته!
وقد كان فى مقدور النواب، الذين يملكون إحساساً بالمسؤولية تجاه البلد، أن يتصرفوا وفق هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه وطن بكامله عند مناقشة قانون الخدمة المدنية على سبيل المثال!
لقد رفضوا القانون بأغلبية واضحة، ورغم أنى كنت قد كتبت هنا مراراً عن أن رفض قانون الخدمة المدنية تحديداً على يد أعضاء لجنة القوى العاملة فى المجلس قبل رفضه فى الجلسة العامة، يكشف عن أنه مجلس، فى غالبيته، ضد إصلاح أحوال البلد، إلا أنى لم أكن أطالبهم بأن يبصموا عليه أو أن يوافقوا على مواده دون نقاش.. كل ما كنت أريده، ولا أزال، هو أن يكون هناك تقدير دقيق للمسؤولية عند مناقشة أى قانون، سواء كان هو الخدمة المدنية أو غير الخدمة المدنية!
إنه قانون يهدف إلى إصلاح جهاز إدارى فى الدولة، ترهل حتى صار معوّقاً للدولة ذاتها عن أن تكون دولة فعلاً، ومن شأن رفض قانون كهذا، دون بيان أسباب الرفض ودون طرح البديل المعدَّل، أن تكون صورة المجلس، لدى المواطنين، أنه مجلس ضد أن تكون فى مصر دولة قادرة على أن تمارس مهامها، إزاء مواطنيها، شأن شتى الدول القادرة!
كنت أنتظر من كل عضو رفض القانون أن يقول إنه قد رفضه للأسباب الفلانية، وأن يحصى هذه الأسباب ويذكرها سبباً سبباً، ثم يقول إنه يقترح أن يُدخِل تعديلاً على القانون فى المادة كذا.. وفى المادة كذا.. وبالكيفية الفلانية أيضاً، بحيث لا يكون الرفض من أجل الرفض، وبحيث تكون صورة المجلس، لدى الذين انتخبوا أعضاءه، أنه مجلس يتعاون مع سلطات الدولة المختلفة فى سبيل الصالح العام، وأنه لا يصطدم بها، وأنه إذا اختلف فى أمر يتصل بإصلاح أحوال سيئة فى البلد، وهذا حقه، فإنه يطرح أسباب الاختلاف، ويبينها، ويطرح بدائله!
أعيد تذكير كل نائب فيه بأن الانطباع الأول يدوم!