يا فرحة ما تمت

عبد الناصر سلامة الخميس 21-01-2016 21:26

جاء قرار النائب العام صادماً، على المستويين الإعلامى والشعبى، فيما يتعلق بحظر النشر فى الأزمة الدائرة حالياً حول تقرير الفساد الصادر عن الجهاز المركزى للمحاسبات، خاصة أنه جاء فى أعقاب ساعات قليلة من تفاؤل واسع ببدء مرحلة جديدة تتعلق بالشفافية، بعد الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى مؤخراً، برئاسة المستشار يحيى الدكرورى، ببطلان قرار الحظر الصادر من النائب العام السابق، فى قضية انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢، بين الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق.

أرى أن حكم المحكمة، الذى أصدره ثلاثة من كبار قضاة مجلس الدولة، كان مهماً فى ذلك التوقيت لأسباب عديدة، ذكرتها المحكمة فى حيثياتها ببراعة، وكنت أعتقد أن هذا الحكم يمكن البناء عليه، ليكون بمثابة إرساء لقاعدة مهمة تحمل عنواناً واضحاً هو «وداعاً لحظر النشر» مادام الأمر لا يتعلق بأمن قومى يمس مصلحة الدولة من قريب أو بعيد.

ولأهمية ما جاء فى الحكم، سوف أنقل بعضاً مما جاء به نصاً: «الأخبار والمعلومات التى تخص الشأن العام تعتبر من أدوات تشكيل الرأى العام، وللمواطنين ولوسائل الإعلام الحق فى اللجوء لمصادر المعلومات الصحيحة للحصول عليها وتداولها ونقلها وإجراء النقاش والجدال حولها، ليشكل كل مواطن رأيه فى الشؤون العامة على هدى من نور الحقيقة ودون حجر على حرية الفكر.. إن محتوى الإعلام يؤثر فى الرأى العام، فإذا كانت مادة الإعلام صحيحة وصادقة فى أخبارها ومعلوماتها أدرك الرأى العام حقيقة ما يجرى إدراكًا سليمًا، أما إذا حُرمت وسائل الإعلام من المعلومات والأخبار الصحيحة فإن ذلك ينعكس سلباً على الرأى العام».

وأضافت المحكمة فى نص الحيثيات: «كل مساحة تخلو فى وسائل الإعلام من المعلومات والحقائق تمتلئ بالأكاذيب والأضاليل، وكل خصم من العلم الصحيح بالحقائق يؤدى إلى زيادة الجهل والانتقاص من الوعى العام، ويؤدى إلى عدم مصداقية وسائل الإعلام، ويصرف الناس عن متابعة الشأن العام، كما يجرد وسائل الإعلام من تأثيرها الإيجابى فى الدفاع عن حقوق وحريات المواطنين وتبنى قضاياهم».

بالتأكيد هو حكم تاريخى، خاصة فى ظل ما شاب هذه القضية من لغط حول التزوير فى نتائج الانتخابات من جهة، وحول الأزمة التى شابت إبعاد قاضى التحقيق المنتدب عن القضية من جهة أخرى، بعد أن قطع فيها شوطاً طويلاً، وجاء الإبعاد بقرار من رئيس محكمة الاستئناف حينذاك، فى مخالفة صريحة للقانون، ثم أيضاً قرار النائب العام بحظر النشر، على الرغم من أنه لم يكن طرفاً فى القضية أصلاً، ولم يحقق فيها، فى أى من مراحلها.

المؤكد أن الإعلام يمتلك الكثير من المعلومات، فيما يخص هذه القضية، كما هو الحال بالنسبة لقاضى التحقيق الذى تم إبعاده عنها، والذى كانت تشير التكهنات حينذاك إلى أنه يمتلك من الأدلة ما يؤكد تزوير نتيجة تلك الانتخابات، التى كان يشرف عليها المجلس العسكرى وقتها، مع الأخذ فى الاعتبار ما أعلنه الفريق أحمد شفيق فيما بعد، أنه تم إبلاغه رسمياً بالفوز، ما جعله يتجه إلى موقع حملته الانتخابية بالقاهرة الجديدة لعقد مؤتمر صحفى، والاحتفال مع أنصاره.

إذن، هذا الحكم كان يضعنا أمام تصحيح لخطأ كبير عانى منه المجتمع خلال الأعوام الأربعة الماضية تحديداً، وهو المتعلق بحظر النشر فى قضايا كان من المهم أن يقف المواطن على جميع تفاصيلها أولاً بأول، لما فيه الصالح العام، ودرءاً لأى شائعات، أو تكهنات من هنا أو هناك، وهو الأمر الذى يتوجب معه مستقبلاً إعادة النظر فى قرارات الحظر هذه، انتصاراً للرسالة الإعلامية التى يمكن أن تبدأ هى الأخرى صفحة جديدة، على قدر المسؤولية، تتميز بالدقة، وعدم الانحياز لأى من الأطراف، أو الأيديولوجيات، باختصار: تتقى الله فى وطن هو فى أشد الحاجة إلى الانتصار للحق، ونشر السلام والأمن فى مختلف ربوعه.

ولست أبداً مع نظرية المؤامرة، التى يرى البعض من خلالها أن أى حدث كبير فى المجتمع، سواء كان حكم محكمة، أو قرار نائب عام، إنما القصد منه إلهاء الناس عن شىء ما أكثر أهمية، أو ذلك التفسير الذى يرى أن ذلك الحكم، أو حتى القرار، يُمهد لأمر ما أكثر دراما، أو حتى أولئك الذين لا يثقون فى أى تطورات من أى نوع، وذلك لأن هذا المنطق إذا ظل يأخذ فى التمدد والاتساع فهو الإحباط بعينه، وقد يكون ذلك هو الهدف النهائى.