نفذت قوات من الشرطة، لم يُستدل على الجهة التابعة لها، حملات أمنية في منطقة وسط البلد، وتحديداً في «عابدين وقصر النيل والسيدة زينب»، على مدار اليومين الماضيين، استهدفت الشقق المفروشة والمستأجرة، دون إظهار إذن من النيابة العامة، وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى شهادات عدد ممن تعرضوا لاقتحام شققهم، حيث ربطوا الأمر بذكرى ثورة 25 يناير، وأكدوا أن المقتحمين سألوهم عن اتجاهاتهم السياسية، وفحصوا أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، وكذلك هواتفهم المحمولة.
وقال أحد مستأجرى الشقق السكنية، لـ«المصرى اليوم»، إنه فوجئ بـ3 أشخاص يطرقون الباب عليه وأخبروه بأنهم من مباحث مديرية أمن القاهرة، ويفحصون الشقق المفروشة بوسط البلد، موضحا أنه سمح لهم بالدخول دون أن يسألهم على إذن النيابة تجنباً لحدوث مشاكل، لكنهم بمجرد الدخول ورؤية «اللاب توب» مفتوحاً جلس أحد الأفراد أمامه وبدأ في تفتيش محتويات الجهاز، وقراءة الأوراق والمذكرات الخاصة به من على المكتب.
وأضاف المستأجر أنه أثناء تفتيشهم في الرسائل الخاصة به كان أحد الضباط يسأله عن رأيه في النظام السياسى الحالى، وإن كان قد شارك في ثورة 25 يناير من عدمه.
وقال حسام السيد، أحد سكان وسط البلد، إن القوات اقتحمت عدداً من الشقق في المنطقة، وبالتحديد في منطقتى المنيرة وباب اللوق، وتعرضت الشقق السكنية للتفتيش بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة.
وأضاف «السيد»، في شهادته التي كتبها على حسابه الشخصى على «فيسبوك»، أن سكان وسط البلد عاشوا ليلة «مرعبة»، على حد قوله، حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، قائلا: «الأمن كان بيدخل يفتش عمارات كاملة في وسط البلد، بيدخل شقة شقة بياخد كل الموبايلات واللابتوبات ويفتشها، جنان رسمى».
وبعد تسجيل «السيد» شهادته، بدأ الأمر ينتشر على مدى أوسع، وأكده عدد من المواطنين الذين نشروا شهاداتهم على ما حدث لهم بشكل شخصى، أو ما تعرض له أصدقاؤهم، في تلك المناطق. وقال شاهد عيان لـ«المصرى اليوم» إن الأمن اقتحم العمارة التي يسكن بها في شارع سعد زغلول بمنطقة المنيرة، وطلب تفتيش الشقق دون إذن تفتيش.
وأضاف الشاهد، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه لم يكن موجودًا في مسكنه أثناء التفتيش، لكن صديقه الذي يسكن في نفس الشقة أخبره بأن الأمن طلب منه تفتيش «الموبايل والتابلت»، وأنه يبدو أن القوة الأمنية كانت تبحث عن أي متعلقات سياسية.
وذكر الشاهد أن بعض أفراد القوة الأمنية كانوا يسألون عن انتماءات بعض الأشخاص الساكنين في العمارة، وأسئلة حول مدى علاقته بحركة «6 إبريل»، وفسر البعض الأمر بأنه يأتى تزامنًا مع الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير.
شاهدة أخرى تسكن في شارع محمد محمود، روت لـ«المصرى اليوم» ما حدث في مسكنها، وقالت إن الأمن جاء إلى العمارة وسأل عن الشقق المستأجرة، وأصحابها، ومدة الإيجار، ومر على عدد كبير من الشقق الموجودة بالعمارة، مضيفة أن أفراداً عرّفوا أنفسهم بأنهم من الشرطة سألوا والدتها عن الشقة ومدة الإيجار.
وقال حارس أحد العقارات السكنية بشارع سعد زغلول إن أفراداً من قوات الشرطة اقتادوه إلى الشقق السكنية بالعقار الذي يحرسه حتى يخبرهم بالشقق المستأجرة، مضيفا أنهم كانوا يطرقون على أبواب الشقق ويدخلون إليها بحجة الفحص، ونفى أن يكونوا حصلوا على شىء أو اقتادوا أي شخص من العقار، لكنه أكد أنهم اقتادوا أشخاصاً آخرين من نفس الشارع.
وقالت حارسة أحد العقارات المجاورة لمجلس الوزراء إنها أوضحت لقوات الشرطة عندما حضروا لتفتيش العقار أن قسم الشرطة حصل على بيانات المستأجرين في وقت سابق، لكنهم لم يسمعوا لها وأخبروها بأنهم في مهمة فحص لجميع شقق وسط البلد.
وأضاف أحد السماسرة بمنطقة وسط البلد، لـ«المصرى اليوم»، طلب عدم نشر اسمه، أنه تلقى بعض الشكاوى من مستأجرى الشقق السكنية، بعد اقتحام قوات من المباحث شققهم خلال اليومين الماضيين، وإلقاء القبض على أشخاص دون إذن نيابة.
وتابع السمسار، الذي يعمل منذ نحو 10 سنوات بالمنطقة، أن قوات الأمن اقتحمت العقارات ودخلت الشقق السكنية رغم حصولهم على بيانات المستأجرين أولاً بأول، لافتا إلى أن السماسرة الذي يعملون بالمنطقة يرسلون بيانات المستأجرين وصورة من بطاقاتهم الشخصية والعقد الذي يحمل رقم العقار والشقة بمجرد حصولهم عليها.
يأتى ذلك بعد أسابيع من اقتحام قوات أمنية معرض «تاون هاوس»، ودار «ميريت» للنشر، بدعوى الرقابة على المصنفات الفنية، دون وجود إذن نيابة أثناء التفتيش، الأمر الذي وصفته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بعد اقتحام تلك الأماكن بـ«ذعر المؤسسات الأمنية من إتاحة أي مساحة ولو ضئيلة لحرية التعبير، خاصة بين الشباب والمثقفين».
وقال جمال عيد، رئيس الشبكة، لـ«المصرى اليوم»، إن «الهجمة الأمنية على شقق وسط البلد تعبر عن خوف النظام من ذكرى 25 يناير، وخوفه من حركة المطالبة بالديمقراطية، التي تأتى بمعزل عن الإخوان، ولا علاقة لأى حركات إخوانية أو إرهابية بها».
وأضاف «عيد» أن تلك الإجراءات خارجة عن القانون، وذلك لعدم وجود إذن من النيابة بالتفتيش، مفسرًا ما حدث بأنه حالة «هستيريا أمنية مقصود بها تخويف المواطنين لدفعهم للمطالبة بالأمن والاستقرار بدلًا من الديمقراطية، وهى وسيلة قديمة تشتهر بها الدول القمعية».
وعلّق الدكتور محمد نور فرحات، الفقيه الدستورى، بأن الدستور وقانون الإجراءات الجنائية ينصان على أنه في غير حالة التلبس لا يجوز تفتيش الأشخاص أو المساكن دون إذن من النيابة العامة، مضيفا أنه لا يعرف ماذا فعل الأمن في منطقة وسط البلد، لكن إذا صح الأمر فإنه يعد مخالفًا للدستور والقانون.
في المقابل، قال مصدر أمنى بمديرية أمن القاهرة إن منطقة وسط البلد بها عدد كبير من الشقق المفروشة التي يتم تأجيرها، ما يتطلب قيام قوات الأمن من حين لآخر بفحص تلك الشقق وكذلك مستأجريها، وضبط من يشتبه به أو مطلوب على ذمة قضايا.
وأضاف المصدر أن قوات الأمن كثّفت من تلك الحملات خلال اليومين الماضيين، خاصة بمناطق عابدين وقصر النيل والسيدة زينب، لتأمين منطقة وسط البلد خلال زيارة الرئيس الصينى.