بنهاية عام 2007 تعرفت عن قرب وبشكل عملى على جامعة الدول العربية وأنشطتها بعيدا عن الشعارات الرنانة وما كتب عنها فى أدبيات الدراسة الثانوية.
شاركت ضمن مجموعة من ما يقرب من 400 شاب عربى فى مؤتمر للشباب نظمته إدارة السكان والهجرة والتى كان يديرها فى ذلك الوقت التونسي خالد الوحيشى؛ وقتها لم أكن اعلم تماما ماهية المؤتمر بالظبط ولكن حماسى انبثق من الرغبة فى التعرف على أناس جدد وهو ما كنت أدمنه– وقتها– أيضا كان لوجود المصري هيثم كامل كمنظم رئيسى للفعالية وقع السحر فهو الاستاذ فى التنمية المستدامة وتدريب الشباب.
سافرنا الى العين السخنة لثلاثة أيام متتالية.. أربعمائة شاب لمدة ثلاثة أيام لا أذكر أيا من جلساتها ولا ورشات عملها سوى ورشة مكافحة الايدز والتى هرب منها معظمنا إلى شاطئ البحر.
جل ما أذكره هو جلسات الغذاء والعشاء وجلسات البحر والسمر حول حمام السباحة ... أستطيع ان أعدد مرات دهشتى عندما سمعت شرح مسائل معقدة لما يجرى فى لبنان وما يحدث على الأرض فى فلسطين وعن الحدود بين الجزائر والمغرب. مازلت أذكر ما كان يقوله عالم الانترثبولوجيا المرحوم عبدالباسط عبدالمعطى واحتوائه لنا كشباب افكاره لا محدودة.
مازلت أذكر كيف وقعت أسير هوى الشام وكيف تعرفت على موريتانيا بشكل مغاير وكيف عبر وتفاعل الشباب من نفسه ومشكلاته.
استمرت التجربة لعدة سنوات لاحقه ثم فقدت هويتها العربية بعد ان أصبحت ملتقى شباب عربى - أوروبى ثم اختفت وأرى أنها اختفت عن عمد.
لم يتبق من هذه التجربة سوى الشباب أنفسهم؛ معظمهم الان يحتل مكانه مرموقة فى بلدانهم والأكثرية تعمل فى منظمات ومؤسسات خارج تلك البلدان؛ بعضهم أسس مبادرته الشخصية وكون مؤسسته وبعضهم أسس ويدير شركات صغيرة الحجم. لكن الثابت هو ان تلك الشبكة التى تكونت فى 2007 مازلت هى الاقوى والاكثر ثباتا على صعيد التشبيك بين اعضائها ولها من التأثير الكبير على مجالات العمل الشبابى.. شباب حقق ذاته عبر السنوات وأصبح الان يقف على أرض صلبة.
===
منذ أشهر تلقيت هاتفا من صديق يدعونى فى كلمات مقتضبة للانضمام لمجموعة عمل شبابية جديدة قوامها أقل من 15 شابا عربيا من مجالات مختلفة وأسهب فى شرح عملية الاختيار المعقدة للشباب المشارك؛ فكرت فى الاعتذار للحالة العامة من ضبابية الرؤية.
أصر صديقى وشرح وشرح فى المنهجية الجديدة وثقافة العمل التى ستتبع من قبل مؤسسة الفكر العربى بمديرها الجديد د.هنرى العويط؛ وأضاف ان اليات التنفيذ ستكون جديدة وجريئة. ربما جذبتنى الفاظ " المنهجية والآليات" والتى لم نعتد ان نسمعها فى هذا المجال وربما هى الرغبة فى الاحتفال بمرور 70 عاما على إنشاء جامعة الدول العربية وربما هى الرغبة فى العمل على فرصة أخرى للحلم.
بدأ العمل قبل أشهر من اللقاءات الحية بالقاهرة أوائل ديسمبر 2015؛ تقريبا أوكلت مهام مختلفة طبقا لتخصص كل الشباب حتى التقينا فى الطابق الثامن عشر بأحد فنادق القاهرة.
شباب جاء من مختلف دول العالم – نعم مختلف دول العالم– وقليل جاء من بلده فمعظم الشباب العربى الآن خارج النطاق الجغرافى المرسوم للحدود العربية على الخريطة. لن أخفى انبهارى بالشباب ومهاراتهم ودقة الاختيار فكل محترف فى مجاله ويعلم تماما ما يفعل ويعى ما يقول.
جاء موعد الاجتماع الاول مع المخضرم احمد الغز مستشار المؤسسة– بدأ الاجتماع فعليا فى مساء اليوم الاول وانتهى فى صباح اليوم السابع للمؤتمر فقد كنا فى حالة انعقاد دائم بنفس ذات الطابق – وكان الأمل هو الخط العريض الذى ربط بين الموجودين فى القاعة.
الامل كان هو الخط العريض الرابط وكان ايضا منبع الخوف والقلق... لعل مصدر الامل هو ثقافة السؤال التى انتجهتها مؤسسة الفكر العربى.
نعم ثقافة السؤال ...تلك الفرضية التى نقتلها فى اطفالنا منذ الصغر ربما بسبب "الزن" بعبارة "كفاية أسئلة بقى" و" انت بتسال كتير".
ثقافة السؤال التى غابت عن الكثيرين رضوخا لمحاولة الادعاء بانه لابد ان نعمل أكثر وان نبعد عن التفلسف والسفسطائية متناسين ان العمل الجيد لابد وان يكون مبنيا على سؤال جيد.
كان التركيز فى الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر الفكر العربى هو الاسئلة التى لم يجب عنها العرب خلال 70 عاما اى منذ تأسيس جامعة الدول العربية؛ أسئلة مختلفة لا تبدأ بلماذا او من او ما هى ولكن تبدأ بـ " كيف"؟
السؤال الكيفى هو سؤال استشرافى يحاول ان يقرأ المستقبل بناء على معطيات حالية ورؤية؛ هو سؤال لا يهتم بالقاء التهم والصاقها باشخاص ولكنه يبحث فى الحلول.
ان تعمل على تيسير عملية تقليص اختيار أهم عشرة أسئلة من بين سبعين سؤالا تم اقتراحها من قبل مفكرين وسياسيين وبرلمانيين ورجال اعمال ومبدعين لهو أمر عسير خصوصا فى ظل سيطرة ثقافة المنصة والخطابات والالفاظ الفخمة والعبارات الرنانة.
لم يكن فكر 14 مؤتمر منصات – سوى منصتى الافتتاح والختام والاخيرة اقتنصها الشباب – بل مجموعة من ورش العمل الجماعية التى تضم 10 اشخاص فى كل منها وميسر شاب ورسام...نعم ميسر ورسام فقط والجميع يجلس فى حلقة مهما كان منصبه او مركزه لان الهدف الاسمى هو السؤال.
أعتقد ان المهمة قد تمت رغم ما طالها من انتقادات كون فكرتها جديدة تماما ووصلنا للهدف الموضوع من البداية وهو تحديد الاسئلة للاعلان عن ان فكر 14 هو المؤتمر التحضيرى لبداية جديدة من سلسلة لقاءات تتمحور حول فكرة التكامل العربى.
وأرى ان التحدى الحقيقى قد بدأ بانتهاء فكر 14 ... التكامل العربى والبحث فى الأسئلة وإعداد بنك للأسئلة الاستشرافية التى تحاكى واقعنا العربى الان.
المهم الان هو الارادة السياسية التى من شأنها ان تمهد الطريق للعمل الجاد وان تفسح المجال للطيور المهاجرة والشباب العربى بمختلف الدول للعمل وان تسمع القيادات السياسة لآراء الشباب.
المطلوب إرادة سياسية عربية؛ لا استخدام سياسيا للفكرة.
===
ما بين تجربة 2007 وتجربة 2015 ثمانى سنوات كاملة ... أصبحت فكرة التكامل العربى ملحه أكثر مما مضى رغم ما يشوب المنطقة من صراعات وحروب ... تغير المشهد السياسى العربى وتغيرت التحالفات وأصبح لدينا واقعا جديدا على صعيد الجغرافيا والتاريخ ... لكن الثابت الوحيد فى المعادلة هو الشباب.
وكما يقول الإخوة فى الأردن.. البركة بالشباب.