حقيقة البرلمان الجديد

عماد جاد الثلاثاء 19-01-2016 21:28

بافتتاح البرلمان المصرى فى العاشر من يناير الجارى تكون مصر قد استكملت البناء الدستورى، وذلك بإتمام الاستحقاق الثالث، ومن ثَمَّ نبأ عملية البناء الديمقراطى. وعلى الرغم من الأهمية القصوى التى يحظى بها البرلمان المصرى فى عملية التأسيس للتجربة الديمقراطية الوليدة، فقد استقبل البعض البرلمان الجديد بقدر كبير من التشكيك، بل والسخرية، وهناك مَن بدأ حملة التشكيك من قبل أن تبدأ الانتخابات وخلالها وبعدها، أى من قبل أن يبدأ المجلس عمله. وهناك مَن وجد ضالته المنشودة فى التهجم على البرلمان فى عشر دقائق فقط من الجلسة الافتتاحية التى استغرقت قرابة ثمانية عشرة ساعة، عشر دقائق من السجال بين نائبين حول ثورة الخامس والعشرين من يناير، واعتبروا السجال دليلا كافيا للحكم على البرلمان المصرى الجديد باعتباره برلمانا فاشلا لن يعبر عن الشعب المصرى وطموحه وتطلعاته. وبدا واضحاً وكأن هناك حملة منظمة ضد البرلمان من مجموعات مختلفة الرؤى والتوجهات، منهم مَن قال إنه برلمان نعم للسلطة التنفيذية، ومنهم مَن وصل إلى القول بأنه برلمان رتبته وهندسته الأجهزة الأمنية ليعمل ملحقاً للسلطة التنفيذية، وهناك مَن قفز إلى القول بأنه برلمان فضائح..

فى الحقيقة تكفى نظرة فاحصة لتشكيل البرلمان الحالى عن جوانب إيجابية لهذا البرلمان ودوره المتوقع فى تطوير التجربة الديمقراطية فى البلاد. فمن ناحية، يُعد البرلمان الحالى الأكثر ثراء وتنوعا فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ففيه تسعة وثمانون امرأة من خلفيات متنوعة، وفيه أربعة وثلاثون من النواب الأقباط، وعدد من ذوى الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى الشباب، ويضم لأول مرة ممثلين عن المصريين فى الخارج، كما يضم البرلمان ممثلين لكافة مناطق مصر وأقاليمها. ومن ناحية ثانية، يُعد البرلمان الحالى الأعلى من حيث الكفاءات والخبرات، حيث يموج البرلمان بتخصصات علمية نظرية وتطبيقية، فضلاً عن الأكاديميين، وقد شهد بذلك وفد البرلمان البريطانى الذى زار المجلس، السبت الماضى، وأقر بذلك فى المائدة المستديرة التى عُقدت بمقر وزارة الخارجية المصرية، الأحد الماضى، إذ قال رئيس الوفد إنه منبهر بمستوى الأعضاء الذين التقى بهم فى مجلس النواب، بل أكد أنه متفائل بمستقبل التطور الديمقراطى فى مصر، وأنه أمر ليس بغريب على بلد للحضارة يضرب بجذوره فى عمق التاريخ. ومن ناحية ثالثة، فإن البرلمان الحالى يعمل فى غيبة حزب أو ائتلاف يحظى بالأغلبية، فالحزب الأول فى البرلمان له نحو أحد عشر بالمائة من المقاعد، وقد فشل ائتلاف دعم مصر بعد كل الجهود التى بذلها فى مجرد إدارة الجلسة الافتتاحية، فعجز عن تمرير أحد الوكيلين، وتشتت أعضاء الائتلاف على خلفية التصويت فى جلسة الإجراءات، ويتوقع أن ينتهى الائتلاف عملياً بمجرد إجراء انتخابات اللجان النوعية. وكشفت التفاعلات خلال الأسبوع الأول من عمر البرلمان عن نزعة استقلالية لدى غالبية النواب، فقد رفضوا بشكل قاطع خطة تشكيل ست لجان خاصة لمراجعة القرارات بقوانين الإصدار منذ إقرار دستور البلاد الجديد، وذلك رغم المحاولات المضنية التى بذلها رئيس المجلس والدعم الذى قدمه بعض قيادات ائتلاف دعم مصر، فقد رفض غالبية الأعضاء ذلك، مؤكدين أنهم لا يأخذون تعليمات من أى جهة، وأنهم غير مدينين بنجاحهم لأحد.

وفرض غالبية النواب على المجلس اعتماد اللجان النوعية التسعة عشر واعتبارها لجانا خاصة تتولى مراجعة القرارات بقوانين الصادرة منذ بدء سريان الدستور فى التاسع عشر من يناير 2014.

ومن ناحية ثالثة، ترافق مع انتخاب البرلمان المصرى وبدء أعماله تغير واضح وملموس فى مواقف وسياسات قوى كبرى ودول مهمة، فوزير الخارجية الألمانى أقر بأن بلاده لم تكن تفهم ما يجرى فى مصر طوال السنوات الأربع الماضية على نحو صحيح، وأن برلين منفتحة تماما على النظام المصرى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأن الفترة القادمة سوف تشهد تطورا فى العلاقات فى كافة المجالات. أيضا جاء وفد البرلمان الإنجليزى من حزب المحافظين الحاكم إلى مصر هذا الأسبوع، مؤكدا أن الحزب حرص على أن يكون أول وفد أجنبى يصل مصر بعد بدء عمل البرلمان، ليبدأ صفحة جديدة فى العلاقات.

وأشار الوفد فى اللقاء بمقر وزارة الخارجية المصرية، الأحد الماضى، إلى تفاؤله بمستقبل التطور الديمقراطى فى مصر، مؤكدا أن ذلك ليس بغريب على شعب صاحب حضارة تضرب بجذورها فى عمق التاريخ، وشعب يمثل جزء أصيلا من ثقافة حوض البحر المتوسط.

فى تقديرى أن البرلمان المصرى الحالى هو أفضل برلمان فى تاريخ مصر البرلمانى، برلمان جاء بانتخابات حرة نزيهة، برلمان متنوع ومتعدد نوابه لا يدينون لسلطة حزب أو ائتلاف بالفضل فى نجاحهم، نواب سوف يمارسون مهام الرقابة والتشريع على نحو يضع اللبنات الأولى لنظام ديمقراطى حقيقى يمثل مكونات نموذج قائم بذاته فى التطور الديمقراطى، ونأمل أن تعطى الفرصة له للعمل من أجل استعمال بناء تجربتنا الوطنية الديمقراطية التى تليق بشعب متحضر دفع ثمنا باهظا على مدار أربع سنوات، دفاعا عن هويته المصرية وترابه الوطنى.