أريد أن أكون مواطنة صالحة، ألتزم بالقانون وأحترم الحكومة وأطيع النظام، أبتعد عن الشغب والتطرف والتمرد والتظاهر ورفع الصوت بالشكوى والنكاية، أريد أن أكون ماتريدونني أن أكون؟ ولكن للأسف فلم أعد أعرف على أي وجه تريدون تشكيلي لوعرفت لفعلت!!
الرئيس يطلق الموقع الإلكتروني لمشروع «بنك المعرفة»، ضمن مبادرة «نحو مجتمع مصرى يتعلم ويفكر ويبتكر» ويقيم دورات لتأهيل الشباب للقيادة، الرئيس يطالب وزرائه بحلول مبتكرة لحل مشاكلنا المزمنة، الرئيس يعرب عن ضرورة تجديد الخطاب الديني، أقوال الرئيس وأفعاله تبدو أنها دعوة للسير نحو المستقبل، فلماذا تبدو أفعال بعض وزراء حكومته وكأنها للخلف در؟.
وزير أوقاف حكومة شريف إسماعيل تفتق ذهنه عن تجربة مبتكرة خارج الصندوق لمواجهة التطرف والتشدد ودعاوى الإرهاب، مشروع طموح بتوحيد خطبة الجمعة في عموم محافظات مصر، لا فرق بين جامع في وسط العاصمة وآخر في قرية صغيرة بمحافظة أسيوط، مرتادى الجوامع كلهم في نظر الوزير على قلب رجل واحد سيهتدوا إلى صحيح الدين بإذن الله بفضل خطبته الحكيمة التي تقطر محبة وسلام، ولقد جعل لها الوزير مكافأة، من يحفظها من الدعاة المعينين عن ظهر قلب ويلقيها كما أنزلت من الوزارة دون تحريف أو تبديل له من الوزارة ألف جنيه بدل خطبة تصرف من الشهر المقبل ولكن مع الالتزام بالزي الأزهرى وعلى ألا يطيل في الحديث، يقول الكلمتين المكتوبين في الورقة ويتوكل على الله وبهذا يكون قد أدى دوره في تجديد الخطاب الديني الذي طالب به رئيس الدولة.. وأطاع أولى الأمر منا.
والغريب أن يصدر ذلك من الدكتور محمد مختار جمعة وزرير الأوقاف الذي افتتح مؤخرا الأكاديمية العالمية لتدريب الدعاة !!، بمسجد النور بالعباسية، وأعلن عن برنامج التدريب المباشر، والتدريب عن بعد عبر «فيديو كونفرانس» !!! ووضع خطة للتواصل عبر «فيديو كونفرانس». الوزير العصرى طالب الدعاة با امتلاك أدوات الفتوى الصحيحة (؟؟؟؟) ورد عليه الشيخ محمد عثمان، نقيب الدعاة: «الأغلبية مابتعرفش في النت، ٨٠% من الأئمة لا يعرفون استخدام الإنترنت حتى نتعامل مع الوزير ومدربيه عبر الفيديو كونفرانس، ومعظم الأئمة لا يملكون أجهزة حديثة سواء محمول أو لاب توب أو آى باد، والبعض لا يستطيع دفع اشتراك الإنترنت الشهري، وأضاف الشيخ عثمان: والله أعرف العديد من الأئمة يذهب لشراء مجلة منبر الإسلام لمعرفة خطب الجمعة، لأنه لا يعرف الدخول لموقع الوزارة، وهو (أوقاف أون لاين)، وأعتقد أن الشو الإعلامي لا ينتهى في كل هذه التصريحات».
الرجل الذي يسعى لتأهيل رجاله للغة العصر ويطالبهم بامتلاك أدوات فتوى حديثة واتقان لغة أجنبية يفرض عليهم خطبة موحدة، غريبة جدا، الرجل العصري يريد تحويل الدعاة إلى قطيع من المصفوفات المتشابهة على طريقة الماتريكس الشهيرة لا تبتكر في خطبتها، ولا تتحدث بما يتلائم مع جمهور المستمعين والذي يختلف من مكان لآخر، فلكل مقال مقام كما يقال، ولكل مكان خطبة، فعلى سبيل المثال، أتصور أن خطيب الجمعة في صعيد مصر عليه أن يتحدث كثيرا وطويلا عن حق المرأة في الميراث، فالاستيلاء على حقها الشرعي من الكبائر وظلم بين، في حين أن في القاهرة يكون الأفضل أن ينصح الداعي المصلين لحس معاملة المرأة التي أوصى بها الرسول والابتعاد عن العنف المنزلي والتحرش بها في الشارع، ففي ذلك إثم عظيم.
و خطبة الجمعة الموحدة لاتجد رواجا عند أي عاقل ولا عند جمهور الدعاة ،فلقد صفها الشيخ محمد عثمان البسطويسى، نقيب الدعاة، بأنها «حبر على ورق»، ولن يلتزم بها أحد وتساءل: «كيف أجبر إماماً على موضوع خطبة، وأضع له عناصرها وأجبره على نصها؟ فإما أن الوزير يعتبرنا جهلاء، وإما أنه يريدنا كائنات لا تفكر».
وأضاف عثمان أن الخطبة الموحدة التي يكتبها الوزير باهتة لا طعم لها، وتصب في مصلحة خطباء السلفيين الذين يختارون موضوعات تهم الناس وتمس واقعهم ويطعّمونها بالاجتهاد والبحث العلمي.
الغريب أن يحدث ذلك تحت سمع دولة يطالب كبيرها، رئيس الجمهورية، بإعمال العقل والتفكير والإبداع ويشجع على تجديد الخطاب الديني بما يناسب أحوال الناس وعصرهم، ولكن هل يمكن أن يكون هذا هو التجديد المطلوب وأنا وأمثالي لا نعرف؟ التجديد أن يصبح الشعب بفكر واحد ورأى واحد ويردد نفس الكلام ... إن كان هذا هو الهدف فلماذا لا يقال بصراحة ووضوح حتى نطيع على بينه، فوزير أوقاف حكومة الشريف يفعل ما كان يفعله مرشد الإخوان الذين كنا نعيب عليهم الطاعة العمياء ونشبهم بخراف تسير بلا عقل وراء راعيها.
كل عام وثورة يناير مازالت بخير وحية في النفوس، فلدينا الآن من يقول للوزير «لا» رغم مكافأة الطاعة.. لن يدخل الدعاة بيت الطاعة.
ektebly@hotmail.com