شارلى إيبدو مش هاتجيبها البر

أسامة كمال الإثنين 18-01-2016 21:27

خرج العالم فى العام الماضى ليقول «كلنا شارلى إيبدو» تضامنا مع الصحيفة الفرنسية بعد العملية الإرهابية فى يناير الماضى باقتحام ملثمين مقر الصحيفة الساخرة فى باريس وقتلوا 12 شخصا وأصابوا 11 آخرين ثم ظهر بعدها بأسبوع تسجيل مصور تبنى فيه تنظيم القاعدة فى جزيرة العرب العملية وقال فيه المتحدث باسم التنظيم إن العملية تمت بأمر زعيم التنظيم أيمن الظواهرى. قامت فى فرنسا مسيرات تحت اسم مسيرة الجمهورية مدعومة بمسيرات فى مدن أخرى فى العالم وكانت الأكبر فى تاريخ فرنسا بما يقارب الـ 4 ملايين مشارك منهم حوالى 2 مليون فى باريس وحدها شارك فيها حوالى 50 من قادة العالم.. ولكن هل تعلمت الصحيفة الفرنسية الدرس وكفت عن إهانة الشعوب والديانات الأخرى؟

لا لم تفعل.. وحتى الصغير آيلان الطفل الكردى الذى أبكى العالم بعد غرقه فى محاولة هجرة سرية لأسرته بين تركيا واليونان لم يسلم من سخرية شارلى إيبدو مرتين خلال أشهر قليلة آخرها كان فى رسم يتنبأ له بالتحرش بالنساء الألمانيات لو بقى على قيد الحياة ووصل لمرحلة الشباب.. يظهر آيلان غريقًا فى جانب من الصفحة ثم يعود للحياة وبعدها رسم له وقد صار طفلا على وجهه علامات الشغب ثم شابًا يركض وراء امرأة وملامحه تقترب قليلًا من ملامح الخنزير.. وأسفل الكاريكاتير كتب مدير المجلة المعروف بريس: «ما هو مصير الصغير آيلان لو عاش وكبُر؟ مُلاحق للمؤخرات فى ألمانيا».

موجة من الغضب اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعى فى الخارج طبعا بسبب حالة الاستهزاء بمشاعر الملايين الذين تعاطفوا مع الطفل – حتى وإن شكك البعض فى حقيقة الصورة – ووصفوا الرسومات بالعنصرية. وكما ذكرت لم تكن هذه الرسومات هى الأولى للمجلة عن آيلان حيث صورته نفس الصحيفة فى سبتمبر الماضى بمثابة طبق تقدمه شركة ماكدونالد فى عرض خاص وتعرضت أيضا لانتقادات واسعة.

هذه الصورة من حرية الصحافة والإعلام التى تصل لحد الانفلات التام والضرب بأبسط قواعد الأخلاق عرض الحائط فى ادعاء كاذب أنها حرية الرأى والتى رد عليها الإرهابيان بحرية رأيهما فى تصفية العاملين فى شارلى إيبدو نتيجة تطاول الصحيفة مرارا وتكرارا على معتقدات المسلمين وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى على الذات الإلهية..

بالتأكيد أنا لا أتفق مع أسلوب الرد من الجماعات الإرهابية بل وأرفضها تماما حتى لا يسىء أحد فهمى ولكن كل إنسان يتعلم من أخطائه.. لا أقصد أن يجبن الرسامون ولكن أن يتعلموا عدم جرح مشاعر الآخرين، فأبسط ما يمكن أن يقال عن الرسوم الأخيرة هو التعبير الإنجليزى insensitive وهو يعنى عدم إدراك ومراعاة مشاعر الآخرين حيث تخيل الرسام أنه مضحك فيما قدمه فى حين أن الأمر يبعد تماما عن الكوميديا.. ربما تخيل أنه يثير موضوع حوادث التحرّش الجنسى الذى وقعت فى كولونيا الألمانية حيث كان طالبو اللجوء أكثر المشتبه فى قيامهم بها ولكنه لم يثر الموضوع بل أثار الاشمئزاز من أسلوبه فى التفكير..

أصبح الأمر محيرا بالنسبة لقطاعات عريضة تضعنا فى خانة المصابين بالشيزوفرينيا حيث نطالب بحرية الإبداع والفكر والتعبير ونلوم لوما شديدا على من يقف فى وجهها، ثم نصطدم بمثل هذا الريس أو هذه الصحيفة فنكتشف أنه كان يتوجب وضع حدود لنفس حرية الإبداع والفكر والتعبير.. شارلى إيبدو تفعل بنا ذلك فتعطى المتطرفين والمجابهين للحرية الذريعة التى يصعب الرد عليها إذا ساقوا لنا مثالا منقولا عنها فلا نستطيع الرد إلا بقول إن من أساءوا للحريات هم قلة لا تلغى معها الحريات بسببهم.. ولكن كيف نعاقب من انتهجوا أسلوب الشطط فى الفكر والتعبير؟ سؤال يحتاج لجواب فى ممارسات الصحيفة ومثيلاتها فى بلادنا..

ولكن حتى نصل إلى هذا الجواب إن أمكن لابد من أن ننبه أن شارلى إيبدو «مش ناوية تجيبها البر».

okamal@cairoict.com