من الطريف في ثقافتنا المصرية وربما في ثقافات شعوب أخرى تعدد الآراء وحديه إختلافها في الأطباء، فكثيراً ما تذهب لعيادة طبيب ما فتجد قصائد شعر معلقة على جدران صالة الانتظار بعيادته قام بنظمها مرضي كتب الله لهم الشفاء على يديه وهم يمتدحونه ويمجدون في عبقريته وأريحته الطبية، وفي ذات الوقت قد تصطدم بأراء أخرى من مرضي آخرين يحدثونك بأن هذا الطبيب «ميعرفش حاجة... وربنا يخرب....»، وقطعاً فإن الشفاء بيد الله، ولكنه سبحانه وتعالي وضع أيضاً أسباباً لذلك، ومن الأسباب المحورية للشفاء هو ما يتم دراسته وتطبيقه الآن فيما يعرف بالطب الشخصي (Personalized Medicine).
الطب الشخصي هو تعديل جاد وحاد لمبدأ دأب العلماء على تطبيقه في أبحاثهم العلمية، وهو مبدأ «التعميم»، حيث أن ما يتم ملاحظته على مجموعة أفراد من نوع ما لابد أن ينطبق على باقي أفراد نفس النوع، ولكن الطب الشخصي يضع إعتباراً وأهميةً قصوي لإمكانية وجود إختلافات جينية غير ظاهرة بين هؤلاء الأفراد تؤثر على مدي إصابتهم بالأمراض عند تعرضهم لمسبباتها، وعلي إستجابتهم للعقاقير المستخدمة في العلاج.
وقد ظهر الطب الشخصي في أعقاب الانتهاء من مشروع الجينوم البشري في مطالع القرن الحالي، حيث أمدتنا نتائج هذا المشروع الضخم بمفاجآت لم تكن متوقعه، إذ تبين أن الإختلافات في تركيب الجينات بين الأفراد المختلفة لا تتجاوز 0.4% أي أننا كمصريين وأفارقة وأسيوين وأوربيين وأمريكان بما نحمله من إختلافات في أشكالنا ولون بشرتنا وأدمغتنا، نتشابه إلى درجة التطابق في أكثر من 99% من تركيب جيناتنا!!
والمفاجأة الموازية لذلك هي أن هذه النسبة المحدودة من الاختلاف الجيني المُقدرة بنحو 0.4% قد تتسبب في جعل أحد الأفراد أكثر عرضه للإصابه بمرض ما، بينما يكون البعض الآخر أكثر مقاومة لنفس المرض، كما أنها تجعل بعض المرضي أكثر إستجابة للعلاج بأدوية معينة بينما يجعل الآخرين مقاومين للشفاء بنفس الأدوية، وهو ما يفسر لنا لماذا ينجح الأطباء مع بعض المرضي ويفشلون في علاج آخرين من نفس المرض.
ولقد تجاوز الطب الشخصي حدود النظريات والأبحاث التجريبية لينتقل إلى أرض الواقع، فما عرفناه من قيام الممثلة الشهيرة أنجلينا جولي بإستئصال ثدييها ثم رحمها ومبيضيها قد جاء بناءً على نتائج تحليلات لتركيبها الجيني أظهرت أن لديها قابلية للإصابة بالسرطان، وأن عليها إستئصال هذه الأعضاء قبل أن تصاب بالمرض اللعين والذي قد ينتقل تباعاً إلى باقي أجزاء الجسم.
وهنا قد يبدو لنا الطب الشخصي كمجال غير عملي باهظ التكلفة، ولا يقدر عليه سوي أمثال أنجلينا جولي، ولكن الخبر الممتاز هو أن بعض الشركات التجارية في الولايات المتحدة الامريكية قد قامت بابتكار أنظمة سهلة الاستخدام ومعتدلة التكلفة لإجراء الفحص الجيني، حيث يقوم المريض بشراء عبوة من الصيدلية تحتوي على أنبوبة وكل ما عليه هو وضع «بصقة ذات حجم مناسب» في هذه الأنبوبة وإرسالها إلى الشركة والتي تقوم بإستخلاص الدنا من البصقة وتحليل مختلف الجينات المرتبطة بالأمراض والموجودة على الشريط الوراثي مع وضع نتائج التحليل خلال بضعة أيام على موقع خاص بالمريض على شبكة الأنترنت.
ومن أشهر أنظمة الفحص الجيني سهلة الاستخدام نظام «الثلاثة وعشرون وأنا» (23andMe) وذلك في إشارة إلى ما يحمله الثلاثة وعشرون زوج من الكروموسومات بداخل خلايانا من جينات.
خلاصة الطب الشخصي هي «أخبرني عن جيناتك أخبرك عن صحتك وكيفية علاجك.»