أن تقتل من أجل قطعة لحم.. الخوف من الآخر (1)

مي عزام السبت 16-01-2016 22:06

*الجحيم هو الآخر (سارتر)

منذ عرفت الإنسانية المجتمعات المستقرة، والخوف من الآخر يطاردها، فالآخر كان يأتى ومعه الحرب والدمار والاستعمار والاستغلال والذل والعبودية، المخاوف من الآخر لم تعد كما كانت في مهد البشرية، ولكن الخوف ما زال قائما في النفس وفى عمق اللاوعى، تماما مثل خوفنا الأزلى من الثعبان.

ورغم أن الخوف المنطقى يكون من الأقلية تجاه الأغلبية، فإننا نجد خوفا أكبر من الأغلبية تجاه الأقلية، كيف تفسر مخاوف منظمة كوكلوكس كلان الأمريكية من الزنوج وحركة بيجيدا الألمانية من المسلمين والنازى من اليهود ومجموعة «جاوراكشا ساميتي» الهندوسية من أقليات ذات ديانات مختلفة.. وغيرهم

********

*جهاد الحب

غير مسموح بالحب لأصحاب الديانات المختلفة في الشرق، في مصر كما في الهند، الأمر لا يختلف كثيرا، ما يحدث في قرى الصعيد يدور في قرية ساراو في منطقة أوتار براديش شمال الهند، حيث ظهرت بذور الشقاق بين الهندوس الأغلبية والمسلمين الأقلية، بعد أن اكتشف الهندوس في القرية حالة لما يسمونه «جهاد الحب»، ويعني ذلك أن رجلا مسلما تعمد إغواء هندوسية وإيقاعها في غرامه ثم تزوجها وضغط عليها حتى تعتنق الإسلام، وهو ما قد يؤدي، في تصورهم، إلى تناقص عدد الهندوس، فالمسلمون ينجبون كثيرا..!، على الرغم من أن الهندوس هم الأغلبية، وأن المسلمين لا يزيد عددهم في الهند على 180 مليون نسمة من بين إجمالي 1250 مليون نسمة إلا أن المخاوف قائمة.

الأحزاب الهندية القومية والمنظمات اليمينية تتبنى هذه القضية، ريهانا أديب ناشطة هندية في مجال حقوق المرأة ترى أن ما يعرف بجهاد الحب هو جزء من حملة أكبر وأن اليمينيين في الهند يكافحون ضد الزواج بين أبناء الأديان المختلفة، إن مجموعات من أمثال مجموعة «جار فابسي» التي تعني «العودة» تحاول إعادة الهنود الذين يعتنقون دينا مثل المسيحية أو الإسلام للهندوسية.

************

*لا يوجد في الهند سياسي شجاع بما فيه الكفاية لأن يحاول شرح أن الأبقار يمكن أكلها (أنديرا غاندي)

هل يمكن لهندوسى يعيش في لندن أو نيويورك أو أي مكان آخر في العالم غير الهند أن يتجرأ ويطلب من جاره ألا يأكل شريحة لحم بقرى؟ بالطبع لا، لكنه يفعلها في الهند وحدها، الهندوس الأغلبية هناك تعدادهم يصل إلى ما يقرب من 80%، محيط من الهندوس به بعض الجزر الصغيرة من المسلمين والمسيحين والسيخ والبوذيين، المسلمون هم أكبر الأقليات يصل تعدادهم إلى 14% تقريبا من عدد السكان.

عدد كبير من الولايات الهندية تحظر ذبح البقر وبيع لحمه وأكله، يتعرض من يخرق الحظر للسجن والغرامة.. وأحيانا يقتل قبل عرضه على المحكمة كما حدث في سبتمبر من العام الماضى، في قرية بيسارا التابعة لولاية أوتار براديش، القرية تقع على مسافة 50 كيلومترا من العاصمة نيودلهى.

في صباح يوم عادى قرر كاهن هندوسى أن يكون يد الرب التي تبطش وعينه التي تراقب، وأعلن عبر مكبرات الصوت المثبتة فوق معبده أن «أخلاق» ذبح بقرة، وأن زوجته تطهو لحمها على العشاء، وبهذا وضع نهاية لعرف التسامح الذي ساد القرية لعقود طويلة.

خلال دقائق تجمع مجموعة من أهل القرية من الهندوس أمام بيت «أخلاق»، يعمل حدادا وعمره 56 عاما، واقتحموه وخربوا المطبخ بحثا عن اللحم في ثلاجته، وجدوا لحما ولم يصدقوا الرجل حين أقسم إنه لحم ماعز وليس بقرا، ضربوا الرجل بالطوب والحجارة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة أمام ابنه وزوجته، الابن نقل إلى المستشفى على أثر إصابته بجروح شديدة في الرأس والأرملة كانت تنتحب وهى عاجزة عن تصديق ما يحدث: «حتى الآن لا أستطيع أن أصدق أن جيرانى الهندوس قتلوا زوجى، جيرانى كانوا مثل عائلتى الكبيرة».

تخيل أن تكون محاصرا من مئات الثائرين عليك، الذين جاءوا ليفتشوا بيتك ومطبخك وثلاجتك، لو ثبتت التهمة سيكون عقابك فوريا دون محكمة أو قاضٍ، الجموع الغاضبة هي القاضى والتعصب هو الحاكم بأمره، لن ينقذك جيرانك الذين تربى أولادك معهم، والذين حضروا زفاف ابنك ودفن حماتك.. سيتركونك غارقا في دمك، وأكثرهم سماحة لن يشارك في قتلك لكن سيكون شاهدا على موتك. يقول مسلمون في القرية إن قتل «أخلاق» كان اعتداء مدبرا يستهدف تقسيم أهل القرية، دبرته جماعات هندوسية متشددة موالية لحزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمى إليه رئيس الوزراء مودى، الذي فاز في الانتخابات العامة في مايو 2014.

الهندوس لايؤرقهم أن يتعاطى جارهم الحشيش أو الكوكايين أو يكون مدمن كحول أو لصا، المهم ألا يأكل لحمَ بقر، لا يتم تفتيش الساكنين وفقط، لكن الأمر يتعدى ذلك حتى راكبى القطارات وسيارات الأجرة المشتبه فيهم يتم تفتيشهم، منذ عدة أيام ألقت الشرطة في ولاية ماديا براديش الهندية القبض على عدد من أعضاء جماعة هندوسية متشددة بتهمة الاعتداء على زوجين مسلمين، ظنوا أنهما يحملان في حقائبهما لحم البقر.

الزوجان «محمد حسين» و«نسيمة بانو» كانا يستقلان القطار عندما هاجمهم أعضاء في جماعة (جاوراكشا ساميتي) الهندوسية وفتشوا حقيبة سفرهما. لكنهما لم يكونا يحملان أي كيس فيه لحم البقر، وقال حسين، «صعد حوالي 10 أو 15 شخصا من هذه الجماعة إلى القطار لدى توقفه في المحطة وبدأوا بتفتيش حقائب المسافرين، وهاجموا بعض الركاب كما فتشوا حقائبنا واعتدوا على زوجتي، اضطر حسين إلى طلب المساعدة من أقاربه المقيمين في مدينة هاردا، أما المسافرون الآخرون فقد التزموا الصمت، وواصلوا رحلاتهم حتى لا يصيبهم أذى.

***********

*دائما ما يكون وراء الغضب حجة، لكنها نادراً ما تكون سليمة

إن النصر الناتج عن العنف مساوٍ للهزيمة، إذ إنه سريع الانقضاء

(غاندى)

الهند بلد كبير متعدد القوميات، مؤسسو الهند بعد الاستقلال وضعوا نصب أعينهم أن تكون دولة علمانية، جواهر لآل نهرو، أول رئيس وزراء للهند المستقلة، وضح ذلك: «العلمانية تعني حرية الحركة الإيجابية للأديان، شريطة ألا يتدخل أبناء ديانة ما بأمور ديانة أخرى، وألا تهدد هذه الحرية مفهوم الدولة». وشرح الدكتور بي آر آمبيدكار «أبوالدستور الهندي»: أي أنه ليس من صلاحيات البرلمان فرض معتقد ديني بعينه على المواطنين الآخرين من أتباع ديانة أخرى.

مع الزمن ينسى الأبناء حكمة الآباء، فلم يعد القوميون الهنود يتذكرون كلمات أبوالهند المهاتما غاندى: إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية.. إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان.. تغتر الأغلبية بقوتها، وكلما ازدادت قوة وغطرسة وغرورا زاد خوفها من الأقليات، إنه الخوف الأبدى من الآخر الذي لا نعرفه.

الدول التي تستحق أن يطلق عليها قوى عظمى ليست هي الدول الأكثر ثراء أو تعداد سكان، لكنها الدول التي تتمسك بالقيم الإنسانية الأساسية وتطبقها على مواطنيها وتصدرها للعالم. إنها مثل الفرق بين هوليوود وبوليوود.

وللحديث بقية.

ektebly@hotmail.com