التعليم.. الأزمة والحـل

اخبار الجمعة 15-01-2016 21:17

كتب: جورج فهمى

يقول أفلاطون فى كتابه «الأخلاق»: «إن القيم الجمالية والأخلاقية والإبداعية تكمن فى جذور التعليم، ولئن انحدر التعليم انحدرت معه سائر القيم الإنسانية الكامنة فى أحشائه». ومن عجب أن يتساءل الناس بعد ذلك عن المتهم الحقيقى الذى انحدر بسلوك المصريين وزلزل ثوابتهم إلى هذا الدرك. شكراً لهذا المتهم الذى كشف النقاب عن ازدواجية مقيتة فى السياسة التعليمية، وهى تتأرجح بين مجاراة العلم تارة، ومعاداته تارة أخرى.

تنفق الدولة على التعليم الأساسى أكثر من خمسين مليار جنيه، يذهب الجانب الأعظم منها إلى تأليف وانتحال كتب هزيلة، ويضيع الجانب الآخر منها فى بناء مؤسسات مشوهة - تتولاها هيئة الأبنية التعليمية - فتتبارى فى بناء سجون مدرسية تخلع عليها صفة المدرسة!.

أما عن الكتب المدرسية، فحدّث ولا حرج. إنها تطبع بالملايين وينفق عليها البلايين، ويعلم القاصى والدانى أنها تستقر فى سلال القمامة لأنها لا تضيف لعقول الأبناء شيئاً. ونأتى إلى البند الثالث فى منظومة هذا الإهدار المروع، وهو اغتيال كافة الأنشطة الأدبية والفنية والرياضية بالمدارس، نظراً لتعدد الفترات الدراسية فى اليوم الواحد ونقص الإمكانات المتاحة وازدحام الفصول وفوضى الإدارة، فهذا المناخ العليل، أفرز أجيالا من المعلمين والطلاب تعانى قهراً وإحباطاً واختلالاً فاضحاً فى منظومة القيم الاجتماعية والمدرسية.

ولا شك أن الساسة والتكنوقراط المسؤولين عن السياسة التعليمية فى مصر، قد تلكأوا طويلاً فى اقتحام المشكلة التعليمية، نظراً لغياب الخيال الإبداعى لديهم، فآثروا- عن قصد- التقوقع داخل شرنقة اللوائح الحكومية الجامدة.

إن هذا التوجه النوعى فى إدارة العملية التعليمية من شأنه أن يدفع المتنافسين إيجابياً إلى الإجادة، كى يحظى الجميع بالدعم الحكومى المأمول وبحرية الإدارة واستقطاب صفوة المعلمين بأجور مجزية، تعيد للتعليم دوره وللمعلم هيبته. وإثارة قدرات المعلم على تحصيل الجديد واكتساب المهارات المعرفية والتكنولوجية، بعدما أصبح التقدير فوريا: ماديا وعينيا.

كما لا تغيب عنا ضرورة أن استشعار الطالب بجودة وجدية العملية التعليمية، يؤدى إلى الارتقاء بمستواه التعليمى والسلوكى. وتعميق العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد وتقليل الفجوة بين المدارس الأجنبية والحكومية.

يبقى التحدى الأعظم فى كيفية تشكيل العقل المصرى وتأهيله للتعامل مع المتغيرات العالمية، من خلال الاستعانة الفورية بالكتاب الإلكترونى E-Book الذى يستوعب أكثر من مائتى كتاب لجميع المواد، ومزود بإيضاحات دقيقة وعروض جذابة - عوضاً عن حزمة الأوراق المتخلفة التى ترهق الطفل بدنياً ونفسياً وترهق الوزارة مالياً. وأن يتم التركيز على دراسة اللغة العربية وأدبياتها كلغة، باعتبارها «لغة أم» ومقوماً أساسياً من مقومات الشخصية الحضارية المصرية، كما يجب الاهتمام بالتركيز على جغرافية وتاريخ مصر- تحديداً، لتنمية الولاء الوطنى لدى الأبناء - بعد أن أدركه الخطر.

وفى هذا الإطار من الضرورة أن نحذو حذو دولة الإمارات العربية الشقيقة فى جرأتها على التحول النوعى فى التعليم، وإلى تبنى المناهج الأجنبية والعلوم المستقبلية والدراسات الفلسفية والأفكار النقدية فى جميع المواد - باللغات الأجنبية. Critical Thinking. وألا يتم تسييس التعليم أو تديينه، وأن يحترم التعليم مدنية الدولة ودستورها. لا يبقى بعد ذلك إلا دور الدولة فى المتابعة اليومية على هذه القفزة الإدارية فى السياسة التعليمية.

ولا تفوتنا ضرورة تعبئة وسائل الإعلام لخدمة هذا المشروع القومى الكبير، للتخلص من ركام متخلف - ينوء بحمله الوطن والمواطن. والتفاوض مع وزارتى المالية والتخطيط لإعادة هيكلة أجور المعلمين بنظام الساعات المعتمدة، حتى نصل إلى حالة من الرضا الوظيفى للمعلم، فيستريح لحاضره ويطمئن على مستقبله، فيرتفع التعليم إلى مستوى الثقافة المستنيرة ويرتفع المعلم ومعه الطالب والمجتمع إلى مصاف الدول المتقدمة.

* أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية - سابقاً