ربما كان الشأن الداخلى لدينا أكثر تعقيداً من الخارجى، من وجوه عدة، أهمها: أننا على أبواب ذكرى ٢٥ يناير، التى تراها التيارات المختلفة، فرصة لتنفيذ أهدافها، إن باحتجاجات ومظاهرات، وإن بضغوط داخلية وخارجية، وإن باستمرار الحالة الملتهبة، فى الوقت الذى تتعامل فيه الأجهزة والحكومة والقيادة ككل بأسلوب أمنى لا أكثر، حيث مزيد من الاعتقالات، ومزيد من تأمين المنشآت، ثم فى الوقت المناسب إغلاق الميادين، ومحطات مترو الأنفاق، على الرغم من حاجة المواطن، والوطن معا، إلى استراتيجيات مختلفة فى التعامل مع الموقف، كان يجب أن تأخذ فى الاعتبار معاناة المواطن اليومية، مع المرافق والخدمات والأسعار والبطالة، وغير ذلك من الأزمات المتفاقمة.
كنت أتمنى من الحكومة أن تجيب عن تساؤلات الناس قبل ذلك التاريخ سالف الذكر، والتى يتمثل بعضها فى الآتى:
■ ■ ما هو الموقف من مشروع تفريعة قناة السويس، والتى التهمت عشرات المليارات من الجنيهات، من أموال البسطاء، سوف يتم تسديدها، وتسديد فوائدها، من عائد القناة المتواضع، الذى تراجع بعد تنفيذ المشروع، فى الوقت الذى كانت تتحدث فيه الدراسات السابقة للتنفيذ عن حياة وردية، وعوائد غير مسبوقة، وهل ستتم مقاضاة، أو على الأقل محاسبة من قاموا بهذه الدراسات المضللة، أم لا؟
■ ■ لماذا لم تتم محاسبة صاحب، أو أصحاب الجهاز الفضيحة، الخاص بعلاج فيروس (سى)، والإيدز، وغيرهما من الأمراض، والمعروف شعبياً، بجهاز الكفتة، ولماذا تم خداع الشعب، من خلال موعد تلو الآخر، لبدء العلاج بالجهاز، إلى أن كان هذا التكتم التام على الموضوع، والتستر التام أيضاً على مخترعيه، مع ما صاحب ذلك من الظهور أمام العالم بمظهر غير لائق، أساء للحياة المدنية، وغير المدنية فى آن واحد.
■ ■ ما هو الموقف من مشروع الضبعة النووى، بعد الإعلان الروسى أن تكلفته النهائية تصل إلى ٢٦ مليار دولار، فى الوقت الذى تشير فيه كل الدراسات إلى أن مشروعات توليد الكهرباء الأخرى كانت أقل تكلفة، وأقل ضرراً بالبيئة على المدى البعيد، ناهيك عن مدى إضرار المشروع الحالى بالساحل الشمالى ككل، سياحياً وزراعياً بصفة خاصة، وذلك فى الوقت الذى تتراجع فيه كل دول العالم المتقدم الآن عن إنشاء مثل هذه المحطات النووية، بل وتتخلص مما هو قائم منها بالفعل.
■ ■ لماذا ضربت الدولة عرض الحائط بكل الدراسات التى حذرت من استغلال المياه الجوفية فى زراعة المليون فدان المزعومة، على اعتبار أن هذا النوع من المياه يمثل الاحتياطى الاستراتيجى للأجيال المقبلة من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحاجة قد تتطلب مستقبلاً الاعتماد عليها، كمياه للشرب، فى ضوء الأخطار المحيطة بمياه النيل، عاماً بعد آخر، وفى ضوء الدراسات التى تتحدث عن حروب مياه وشيكة، وبصفة خاصة حول مياه النيل، ولماذا لم تتم الإجابة عن المداخلات التى تحدثت عن أنها أراضى مستصلحة بالفعل.
■ ■ لماذا لم تتم محاسبة، أو محاكمة، من أشاروا، ومن أوصوا، بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ مع إثيوبيا، فى مارس الماضى، على الرغم مما وضح من مخاطر حملها ذلك الإعلان، وهو ما اعتمدت عليه إثيوبيا حتى الآن، فى استكمال عملية الإنشاء، وأيضاً على الرغم من الدراسات العديدة التى حذرت من التفريط، أو التنازل فى هذا الشأن، والتى لم يتم وضعها فى الحسبان.
■ ■ لماذا لم تتجه الدولة نحو مصالحة شاملة مع كل التيارات السياسية الموجودة على الساحة، دون إقصاء، ودون حظر، ودون تهميش، والإفراج عن الشباب الذى قضى فى الحبس الاحتياطى شهوراً وسنوات، لسبب ودون سبب، والبدء فى إجراء حوار وطنى شامل، مع كل القوى، بهدف إخراج البلاد من عثرتها، الأمنية، والسياحية، والاقتصادية، ولماذا لا نعترف بأخطائنا، ونعتذر عنها، ونحدد أوجه القصور، ونتعامل معها، فى إطار من الشفافية المطلقة.
■ ■ لماذا لا تتم الإجابة عن السؤال المطروح بقوة، فى كل الأروقة، المغلقة والمفتوحة، حول مصير عشرات المليارات من المعونات الخارجية، التى حصلت عليها مصر، خلال السنوات الخمس الماضية، وأوجه إنفاقها تفصيلاً، وذلك حتى يمكن إغلاق ذلك الملف، وتلك الاتهامات، التى سوف تظل تطارد القائمين على أمر البلاد، فيما بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، وحتى الحكومة الحالية، وما بعدها.
على أى حال، هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، لا يتسع المجال لسردها، أرى أنه من المهم، بل من الضرورة الإجابة عليها دفعة واحدة، قبل ٢٥ من الشهر الجارى، فى إطار تهدئة الرأى العام، وتبصيره بشؤون وطنه، وتبرئة للذمم، وأعتقد أن وجود برلمان الآن، على الرغم مما يحيط به من ملابسات، إلا أنه الجهة التى يجب أن تطرح هذه الأسئلة بقوة، وتتلقى الإجابة عنها بأريحية، ودون تعنت من هنا، أو مراوغة من هناك، لما فيه صالح الجميع، وذلك لأن الصمت أيضاً ليس فى صالح الجميع.