منذ أن شرفت بانضمامى بالتعيين إلى عضوية مجلس النواب المصرى الجديد، وأنا أنتظر بحماسة بالغة وترقب متفائل دخولى إلى القاعة الكبرى تحت قبة المجلس الموقر، فى اليوم الأول لانعقاد جلساته، حيث شعرت وكأننى طالبة مجتهدة تتطلع لبدء العام الدراسى لتثبت قدرتها على الجد والاجتهاد، لإنجاز المنتظر منها والنجاح فى بحث القضايا المعروضة عليها، وبالفعل قمت بالاستعداد لليوم المنتظر مظهرا بما يليق بوجودى فى هذا الصرح العريق، وجوهرا بالدراسة المتأنية لجميع الوثائق الدستورية واللوائح البرلمانية وغيرها من المستندات المهمة، التى تم تسليمها إلى السيدات والسادة نواب الشعب، وبالفعل أتى اليوم المنتظَر وخطوت خطواتى الأولى داخل مجلس النواب المصرى، مُحمَّلة بأحلام كبرى تتداخل معها تصورات إيجابية حول طريقة عمل البرلمان وموضوعية مناقشاته وثراء جدول أعماله، ومتسائلة: هل تتحقق الأحلام على أرض الواقع؟
وقد بدت بشائر تَحَقُّق الأحلام المتفائلة فى اليوم الأول وجلسة الإجراءات، التى بدأت بقيام النائبات والنواب بحلف اليمين، وتلك- لا شك- تمثل لحظات خاصة مؤثِّرة يشعر فيها النواب بالفخر الشديد عند قراءة النص المكتوب، إحساسا منهم بثقل المسؤولية والرغبة فى تقديم كل ما عندهم لخدمة بنى وطنهم، استشعارا بأنه قد أُتيحت لهم فرصة ذهبية لكى يحاولوا تغيير الواقع إلى الأفضل بقدر ما يستطيعون، فهم قد انتقلوا من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل بدخولهم تحت قبة البرلمان، وتلى ذلك، فى يوم شديد الإرهاق امتد إلى ما يقارب 15 ساعة متواصلة دون انقطاع، انتخاب الرئيس والوكيلين، فى ماراثون طويل امتد إلى اليوم التالى، وفى ظل هذا التواجد والتفاعل المستمر بين عدد غير مسبوق من ممثلى الشعب- يبلغ 596 نائبة ونائباً أتوا من كل فج عميق تحت سقف واحد- كان من المُحتَّم أن تظهر جوانب إيجابية وأخرى سلبية للتفاعل بين الأعضاء، وتتمثل الإيجابيات فى شدة التنوع داخل مجلس النواب، حيث نشاهد تشكيلة كبيرة من الانتماءات والشخصيات والتوجهات والعقليات، التى لا شك أنها فى واقع الأمر تعكس اختيارات مَن انتخبوها لتمثيلهم فى هذا المجلس التشريعى العتيد، وهذا لا شك ذو فائدة فى حال ما إذا أدى ذلك إلى تبادل الأفكار والآراء بينهم بشكل موضوعى يتجنب المزايدات، مما يمكن أن يُسفر عن الخروج بمقترحات إيجابية وتشريعات مدروسة، تنعكس إيجابا على حياة المواطن المصرى، من خلال ترجمة ما ورد فى الدستور إلى تشريعات وقوانين تُنفذ على الأرض.
ولكن فى ذات الوقت، فإن هذه التجربة الجديدة بالنسبة لأغلبية النائبات والنواب- والتى اقترنت بالحماسة الشديدة للمشاركة والإدلاء بدلوهم فى المناقشات واتخاذ القرارات- قد أظهرت اختلافاتهم بشكل جلىّ، وأثبتت مبدئيا عدم تقبل غالبيتهم الاختلاف فى الرأى، بل والتعبير عن ذلك بشكل حاد يمكن أن يهدد بإفساد المناقشات، ورغم أن المجلس يمثل فيه المستقلون الأغلبية، التى من المفترض عدم انتمائها إلى اتجاه بعينه من الاتجاهات الرئيسية داخل المجلس، والتى تحاول استقطاب مَن يقف فى منطقة الوسط، فمن غير المنتظر- وفقا للمشهد الراهن حتى تاريخه- أن يشكل هؤلاء المستقلون كتلة أو جماعة ضغط داخل المجلس يمكن أن تسعى للتأثير كمجموعة تصويتية عندما تحتاج القضايا المطروحة للحسم، ومع ذلك، فإن الأيام القليلة الماضية- منذ ولادة المجلس- تُنبئ بأن باب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه، وأنه عندما تهدأ الأمور ويبدأ العمل الجاد سيسفر المجلس عن وجهه الحقيقى بتضاريسه المتنوعة واتجاهاته القائدة، فلنصبر جميعا ونتحلّ بالتفاؤل الحذر، فإن غدا لناظره قريب.