مصر الحديثة.. ومحمد على الجديد

عباس الطرابيلي الإثنين 11-01-2016 21:31

عقب معارك التحرير شدت أم كلثوم، وغنت، وأطربت بأغنية «أصبح عندى الآن بندقية».. من حقنا هذه الأيام أن نسعد باكتمال خارطة الطريق.. فننطلق نغنى - بالعمل وليس بالكلمات - «قد أصبح عندى الآن برلمان».. وهو أيضاً جاء بعد معارك رهيبة استمرت 5 سنوات كاملة فهل ننطلق، من الآن إلى المستقبل الذى أراه ضرورياً، حتى نلحق لنا - ولمصر - مكاناً بارزاً تحت الشمس؟!

أقول: أصبح عندنا الآن برلمان، حتى وإن كانت بدايته ساخنة.. ليس فقط فى انتخاب رئيسه ووكيليه.. أو فى المشكلة المصطنعة حول صيغة القسم الدستورية.. ولكن فى قضية انتخاب الوكيل الثانى.. خصوصاً أننا لم نتعود - لحوالى 60 عاماً - أى اختلافات حول انتخاب، أو اختيار هيئة المكتب، منذ عرفنا كارثة الحزب الواحد، عدما كان «السلطان» هو الذى يحدد رئيس هذا البرلمان وكل أعضائه وليس فقط باقى هيئة المكتب من وكيليه، وأيضاً رؤساء اللجان.. وربنا لا يرجع هذه الأيام بكل سلبياتها.. وأليس أحد هذه البرلمانات من وقف فيه أحد الأعضاء راقصاً «فوق البنش»، بينما مصر كلها مذبوحة ومهدر دمها «السايح» فى قلب هزيمة يونيو 1967، وهل نختلف هنا على «صيغة القسم» فماذا سنفعل فى القضايا القومية الكبرى؟!

المهم.. قد أصبح عندنا برلمان.. وبذلك نكون قد استكملنا عناصر وثلاثية خارطة الطريق.. بعد أن أعددنا الدستور، وأصدرناه.. ثم انتخبنا - بأغلبية حقيقية ولأول مرة - رئيساً للجمهورية بإرادة شعبية واضحة ومؤكدة.. ثم جاءت الخطوة الثالثة ببدء اجتماعات البرلمان.. هنا نتساءل: هل بقى - داخلياً وإقليمياً.. ثم خارجياً - أى سبب أو حجة تتهم أن فى مصر الآن نظاماً غير مكتمل الشرعية؟!

بل إننى أرى - باكتمال هذه الثلاثية - أن أى دعاوى إخوانية بعدم شرعية نظامنا الحالى، وبالذات ادعاؤهم بأن الدكتور محمد مرسى هو الرئيس الشرعى للبلاد.. وهنا نبتسم، بل ونسخر ونحن نرد على دعاواهم بشرعية الدكتور مرسى.

الآن فقط «صار النظام شرعياً»، وتلك شهادة يوقعها شعب مصر بأغلبيته الساحقة أن مصر اختارت طريقها «الصحيح»، ولكن بقى أن يؤكد الشعب - الآن وليس بعد الآن - أنه ماض فى معركة تحرير الوطن تحريراً حقيقياً من بقايا إرهاب «يحلم وهو مغيب» بأن يعود هؤلاء إلى كراسى الحكم، نعم، هى معركة تحرير يجب أن تتبعها المعركة الأهم، وهى معركة العمل والإنتاج الحقيقى.. ولقد سبق أن أثبت هذا الشعب - ولمرات عديدة ومنذ عصور الفراعنة - أن مصر بشعبها وقيادتها كانت دائماً ما تستيقظ وتنطلق وبشكل صار مضرب الأمثال - لتبنى بلدها من جديد - وتعود لتسابق العالم وتنطلق نحو المقدمة.. هكذا كانت مصر، عقب أى هزيمة، وبعد كل احتلال - حتى وإن طال الزمن - كانت مصر تنطلق.. وتتقدم، أو ليس الأفضل هنا ما حدث عقب الاحتلال التركى العثمانى الذى استمر ثلاثة قرون كاملة من عام 1516 إلى عام 1805 عندما تولى محمد على حكم مصر.. وكيف استطاع فى سنوات قليلة أن يصل إلى مشارف الأستانة «استانبول» قاعدة الحكم العثمانى ويهددها بالسقوط، وكادت.. وهنا تحركت كل أوروبا لتوقف النهضة المصرية، بعد أن أصبحت مصر أكبر قوة عسكرية برية وبحرية فى البحر المتوسط.. وأصبحت أكبر قوة اقتصادية وعلمية وصناعية فى كل دول العالم القديم، عند ملتقى القارات.

نعم.. كم أتمنى - وأنا دارس جيد للتاريخ - أن تعيد مصر نفس السيناريو، وأن تنطلق لإعادة بناء الدولة، التى حاولت اليابان أن تقلدها وتسير على نهجها وطريقها، عندما خططت لبناء نفسها.. يومها كانت مصر «قبلة العالم».. والآن يجب أن تعود مصر كذلك.. وسوف تعود.. ولكن هل بالبرلمان وحده؟

قد يكون البرلمان بداية لفتح باب التقدم.. ولكن الأساسى هنا هو حجم إنتاج هذا الشعب، لأن محمد على - وإن كان قائداً واعياً لما يحلم - إلا أنه، وبعد أن اكتشف حقيقة هذا الشعب، رأى أن الشعب هو الذى سينفذ مخططه النهضوى الرائع.. فاعتمد على هذا الشعب.. وأحسن قيادته.. ومضى يبنى مصر الحديثة.

وإذا كان محمد على قد بدأ مشواره - كذلك بالبرلمان - من خلال إنشائه لما يسمى «الديوان العالى، ومقره القلعة»، ثم إنشائه لمجلس المشورة - وهو أول برلمان فى مصر الحديثة - فى سبتمبر 1829 برئاسة ابنه الأكبر إبراهيم باشا، وبالمناسبة نزل به إبراهيم من القلعة إلى قصره العالى فى جاردن سيتى، وضم هذا المجلس رؤساء المصالح الحكومية.. ومأمورى الأقاليم، والأهم هنا مشايخ وأعيان الأقاليم، ومن كل الأقاليم، وعندى كشف بكل أسمائهم، ومنهم بالطبع اثنان من العائلة الأباظية «الشيخ حسن والشيخ بغدادى».

هنا أقول: دعونا نمض على نفس الدرب.. وقد بدأنا هذه الأيام ببدء اجتماعات البرلمان الجديد.. والآن وقد صار عندنا حاكم جديد يمكنه أن يعيد عظمة مصر تماماً كما فعل محمد على.. وصار عندنا دستور قبلته الأمة.. ثم استكملنا الطريق بالبرلمان فماذا بقى أمامنا لكى ننطلق لننشئ مصر الحديثة!

أقولها بكل صدق: بقى أن نعيد عشق العمل إلى أن ننطلق، بالضبط كما فعل محمد على، الذى، رغم كل مشاغله الخارجية من حروب ونزاعات، إلا أنه مضى يعمل ويعمل.. ومعه كل الشعب.

** وهذا ليس صعباً على شعبنا.. فتعالوا نتسابق إلى العمل وإلى الإنتاج.. يالله هيا بنا.. والنبى.