وزارة الثقافة.. فقاعة الوهم (2)

مي عزام الإثنين 11-01-2016 01:11

البدايات دائما جميلة، فيها قدر كبير من الأمل والأمنيات ورغبة في الإبداع والتجديد، بمرور السنوات تشيخ البدايات وتحتاج من يصونها ويعيد لها شبابها ورونقها.

نجح الدكتور ثروت عكاشة في توسيع قاعدة الثقافة، وجعلها متاحة للجميع بامتداد محافظات مصر، وترك الوزارة وقد نجح في خلق حالة من الزخم الثقافى والتواصل مع الفنون والأداب المختلفة حولنا، وكانت مصر تستقبل كبار الكتاب والمفكرين والفنانين العالمين حيث يتم مناقشهم حول أحدث أعمالهم وأفكارهم.

كان هناك تقدير واحتفاء من الدولة بالمثقف ودوره في المجتمع، وشهدت ستينيات القرن الماضى فترة تألق للثقافة المصرية.

وحين ترك عكاشة الوزراة، حاول الوزراء بعده أن يحافظوا على ما وجدوه مع التوسع في الإنشاءات والتوظيف عن طريق التعينات الحكومية والمجاملات والوساطة.

ومع عصر الانفتاح الساداتى تراجعت قيمة المثقف المبدع أمام الفهلوى وصاحب المال، وبدأت مصر تعرف نوعًا جديدًا من النشاط الثقافى الاستهلاكى، فمن يملك المال لا يريد مشاهدة عروض أوبرا أو مسرح جاد لكن يريد أن يشاهد «حاجة تضحك متوجعش الدماغ».

هذا الواقع الجديد ظهر في فيلم «انتبهوا أيها السادة»، (1980)، الذي سجل انتصارعنتر الزبال (محمود يس)على أستاذ الفلسفة الجامعى جلال (حسين فهمى)، الذي يفشل في الحصول على شقة تمليك يتزوج فيها في العمارة التي يملكها عنتر، وينتهى الحال بخطيبة الأستاذ بقبول الزواج من عنتر.

معاهدة كامب ديفيد عزلت مصروقزمت دورها وصورتها في محيطها العربى، وكان لهذا تدعياته على الثقافة والمثقفين.

بعد مقتل الرئيس السادات وتولى الرئيس مبارك أصبح غاية النظام بقاء الحال على ماهو عليه، ولم يظهر طوال فترة حكم مبارك الأولى وزير ثقافة لديه مشروع يريد أن يحققه، بعد انتخاب مبارك لفترة رئاسية ثانية كلف الدكتور عاطف صدقى بتشكيل الوزارة عام 1987، واختارالأخير فاروق حسنى ليكون وزيرا للثقافة بسبب صداقتهما، لم يكن فاروق حسنى اسمًا معروفًا في الوسط الثقافى حينذاك، وشن عليه عدد من الكتاب حملة هجوم تزعمها الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوى الذي كان يجده أقل من هذا المنصب الرفيع، ولكن مبارك كان عنده «التمسك بالمسؤول الذي يهاجمه الشارع والرأى العام».

واستطاع فاروق حسنى خلال سنوات قليلة أن يجعل من وزارة الثقافة «حظيرة» لتدجين المثقفين، بالمناصب والجوائز والعطايا.

كان لديه مشروع يريد أن ينفذه، وهو خلق كيان ثقافى ضخم، ولكن خاوى بلا مضمون، ولعل ذلك كان له هدف سياسى مستتر.

ساهمت وزارة الثقافة في تجريف الوعى المصرى، وكانت مجرد فقاعة ضخمة تجذب الأنظار وتلفت الانتباه ولكنها فارغة دون تأثير.

في عهد فاروق حسنى المبارك صدرت ملايين الكتب ولكن توقف المصريين عن القراءة، رعت الوزارة عددًا كبيرًا من المهرجانات السينمائية ولكن تدهورت أحوال السينما المصرية، زاد عدد معارض الفن التشكيلى ولكن القبح أصبح هو السمة الغالبة في الشارع المصرى، وتم إنشاء جهازالتنسيق الحضارى خدمة لصديق.

اهتم فاروق حسنى بالمظهر على حساب الجوهر، فلم يكن مشروعه معنى بالقيم والعادات وأشكال الإبداع التي تسعى لتطوير أسلوب حياة عامة الناس، بقدر ما كانت «شو إعلامى» وحفلات افتتاح وقص شريط، ولقد عاتبنى فاروق حسنى تليفونيا على وصفى له في مقالى «الثقافة ..خدها عصفور وطار» بأنه كان رائدا في نشر ثقافة الاستعراض، وحين واجهته أنه رغم سنوات تواجده الطويلة في الوزارة لم ينجح في تثقيف الشارع ورفع درجه وعيه، بل ترك عقول الناس يشكلها السوقة والمرتزقة في الفن والدين والثقافة، وهو ما أدى لنشر الفكر التكفيرى والإرهابى واعترف الوزير الأسبق أنه بالفعل غاب عن الشارع.

ترك فاروق حسنى الوزارة متخمة بالموظفين، والفساد يعشش في قطاعاتها المختلفة، وكلما اجتمع عدد من المثقفين تحدثوا عن الفساد المستشرى في وزارة الثقافة، وذكروا أن د.علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة، في زمن الإخوان كان عنده حق فيما فعله، ولكن كان التوقيت وأسلوب التنفيذ يفتقد الذكاء والفطنة، فأى تطهير في الوزارة يجب أن يكون على مراحل وليس دفعة وحدة، ولكن ما يقوله المثقفون فيما بينهم سراً لا يصرحون به علناً، ويكون التبرير: «كلهم أصحابنا واكلين معاهم عيش وملح».

بعد الثورة توالى على وزارة الثقافة عدد قياسى من الوزراء، الجميع كان يتصور أن هذه الوزارة على وجه الخصوص لابد ان يحدث بها ثورة كبيرة من حيث أسلوب العمل ووضع استراتيجية تواكب المرحلة، وكذلك إعلان الحرب على الفساد بها.

لكن للأسف النتائج كانت مخيبة للآمال، فما زالت الوزارة مثل خيال المآتة في الغيطان لا تؤثر في أحد....فهل هذا مقصود.. بقاء الحال على ماهو عليه؟، وشراء أصوات المثقفين الصاخبة بمنحة تفرع وإصدار كتاب وعضوية لجنة، وأنه ليس هناك إرادة سياسية للتغير، ومن صالح النظام الحاكم أن يظل الشعب على ماهو عليه.

للحديث بقية.

ektebly@hotmail.com