عندما تحدث الرئيس السيسي في الاحتفال الذي جاء مفاجئا بيوم الشباب المصري، عن الشباب الذين يتوقع أن يكونوا خط الهجوم الأول وخط الدفاع الأخير في معركة مصر من أجل البقاء، وبعدما أعلن – بشكل مفاجئ أيضا – عن أن عام 2016 سيكون عاما للشباب، بدا لي أننا – نحن من ناحية والرئيس من ناحية – لسنا على اتفاق واضح عن «الشباب» الذي يقصده كل منا.
فكل جانب له تصوره عن «الشباب»، وهناك صورة ثالثة هي الحقيقة التي لا يراها أينا كاملة من زاويته.
نحن نرى أنفسنا الجيل الذي أهدرت فرصه بفعل ظروف خارجة عن إرادته، وتعطلت طموحاته أمام تجبر كل المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي يقودها جيل عتيق يتبنى أفكارا ورؤى أثرية ومنظومة قيمية تعود إلى عصور ما قبل اكتشاف العجلة والنار وإبرة الخياطة، لا إلى ما قبل اكتشاف الإنترنت كما يظن الجيل العتيق في نفسه.
والرئيس يرانا جيلا لديه طاقة هائلة لكنه يعطل نفسه بنفسه، ويشغل باله بصراعات السياسة التي يفترض ألا يكون طرفا فيها، ويحرق طاقته في السلبية بينما هو الجيل الذي يلزمه الظرف التاريخي بأن يعدل ما أماله السابقون جميعا منذ عهد الملك مينا موحد القطرين.. وفوق كل ذلك يرى الرئيس أننا جيل لا يدرك أنه يرقص بين أفكاك وأنياب مؤامرات تتصارع أيها يسبق إلى نهشنا وتمزيقنا.
والحقيقة المرة التي تجمع بين هذا وذاك وأكثر هي أن الشباب الذين يتكلم عنهم الرئيس، والذين يظنون أن الرئيس يقصدهم في خطابه، لا يمكن حسابهم كوحدة اجتماعية واحدة على أساس المرحلة العمرية فحسب، بمعنى أن كل من تقع أعمارهم في الدائرة بين خمس عشرة سنة مثلا وثلاثين أو خمسة وثلاثين عاما هم الذين يطلق عليهم لفظ «الشباب».
فهناك اختلافات جوهرية عديدة بين الشرائح العمرية داخل هذه الدائرة الواسعة تقسمها إلى فئات مختلفة عن بعضها تماما، ومن ثم فهي تحتاج إلى تقسيمات عديدة في الخطط السياسية للدولة، فما يصلح للقسم الأول من هذه الدائرة العمرية لا يصلح بالضرورة للقسم الثاني، ولا يفي بالضرورة باحتياجات أيهما من الدولة.
كما أن التباينات السياسية والاقتصادية داخل دائرة عمرية ما، تستبعد بشدة إمكانية التخطيط الحكومي على أساس المرحلة العمرية وحدها، لتشمل الخطة في النهاية بزرميطا من «التمكين السياسي» و«تعميم النشاط الرياضي في المدارس» و«توفير الوحدات السكنية للمقبلين على الزواج» و«تحسين خدمات التعليم والثقافة» و«توفير القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة».. فما يصلح لهذا لا يصلح بالضرورة لذاك.
والحقيقة الأعمق هي أن الدولة المصرية تخاطب شريحة عمرية لا تضع لها تقديرا عمريا محددا، ولم تدرسها دراسة وافية، واختذلتها في عبارة أكثر دقة في التعبير، وأكثر إخلاصا للمضمون، وهي عبارة: «شوية العيال اللي قاعدين على النت».!
ومن منطلق هذا التعبير يبدو أن كل خطط الدولة تبدأ، وإلى منتهى هذا الوصف يبدو أن كل خطط الدولة فيما يتعلق بالشباب تذهب، لتبدو المسألة في النهاية محاولة بائسة لاسترضاء «شوية العيال اللي قاعدين على النت» بخطط وضعت للدولة ككل في قطاعات الإسكان والصحة والتمويل.
على الدولة أن تتوقف عن التعامل مع الشباب على أنهم لغز يحتاج إلى حلول منفردة في عزلة عن الخطة العامة للدولة، وعليها أن تتوقف عن التعامل معهم معاملة الأب لأبنائه الذين يكبرون على ما يجهل وما يكره، تماما كما يجب على الشباب ألا يستمرئوا وضعية الأزمة في الوقت الذي يجب أن يكونوا هم أنفسهم الحل.
وبذلك تكون دوافع التخطيط للدولة دوافع طبيعية متسقة مع خطط التنمية العامة، لا دوافع استرضاء أو معالجة لمواقف نفسية أو سياسية لشريحة عمرية أو قسم من أقسام المجتمع.
نحن في حالة من اختلال التعريف أدت إلى حالة أخطر من اختلال التخطيط، فوضع خطط منفصلة لحل مشكلات الشباب مصدرا لتساؤلات عن خطط حل مشكلات كبار السن، وخطط حل مشكلات المرأة، وخطط حل مشكلات صغار السن، وعندها لن تكون هناك خطة موحدة لتنمية الدولة التي تضم كل هذه الفئات.