للعام الثانى على التوالى زار الرئيس السيسى كاتدرائية العباسية، وهنأ المسيحيين بعيد الميلاد فى رسالة محبة وتقدير ثمّنها غالبية المصريين، مسلمين ومسيحيين.
أهمية زيارة الرئيس والاستقبال الحافل الذى تلقاه داخل الكاتدرائية، أنها أعطت ضربة قوية لكل دعاوى عدم تهنئة المسحيين بالعيد من قبل بعض المتطرفين فى بلادنا، وهو تعصب بالمجان يعمق الانقسام والكراهية داخل المجتمع، دون مبرر، كما دلت حرارة الاستقبال على وجود ظهير شعبى كبير داعم للرئيس فى أوساط المسيحيين المصريين، وهو أمر فى صالح المجتمع والدولة المصرية لأنه خصوصيته موضوعية ومدنية، بعد أن اختار الإخوان وحلفاؤهم أن يستهدفوا المسيحيين طوال الأعوام الثلاثة الماضية بحرق الكنائس والاعتداء على منشآتهم وأرواحهم، بصورة جعلتهم يدفعون ثمنا باهظا من أجل إسقاط حكم الإخوان.
والمؤكد أن كثيرا من المسيحيين المصريين تعرضوا للغبن، وعانى كثير منهم من الطائفية والتهميش، وهم فى النهاية جزء من تيار واسع من عموم المصريين يدعم الحكم الحالى نتيجة قناعته أن معركتهم الأساسية هى معركة وجود وبقاء، قبل أن تكون معركة ديمقراطية وحرية رأى وتعبير.
يقينا ما جرى داخل الكاتدرائية رائع، ولكن ما جرى خارجها على بعد أمتار قليلة من الاحتفال صادم، حين اعتقلت الشرطة أحد قيادات حركة تمرد التى ساهمت فى إسقاط حكم الإخوان، وهو شاب ناصرى التوجه مسيحى الديانة ولم ينضم إلى الجناح المؤيد للسلطة فى حركة تمرد، وكان على بعد أمتار قليلة من الكاتدرائية قادما للاحتفال بالعيد لا لإلقاء القنابل.
وبدا هذا الموقف فى غاية الغرابة وصدم الكثيرين، حين حوّل حالة السعادة التى عاشتها الكاتدرائية أثناء استقبالها للرئيس إلى حالة قلق وصدمة لاعتقال محب دوس، وهو من أكثر شباب الكنيسة والوطن عقلا ووطنية وإيمانا بالثورتين اللتين لولاهما لما جاء الرئيس للحكم.
لن نستطيع أن نحل مشاكلنا بثقافة اللقطة على طريقة «اضحك علشان الصورة تطلع حلوة»، فما يجرى فى الصور دائما رائع. لقطة مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى كانت جميلة ولكن هل ترتب عليها زيادة فى حجم الاستثمارات وتغيير القوانين والتخفيف من البيروقراطية؟ وما جرى فى لقطة افتتاح قناة السويس كان عظيما ولكن هل هناك دراسة جدوى عملية حقيقية تحدثت عن حجم الزيادة فى عائد القناة؟، وكذلك زيارة الرئيس للكاتدرائية مرتين كانت لافتة ومطلوبة، ولكن كثيرا من مشاكل المسيحيين لن تحلها الزيارة مثلها مثل مشاكل شركائهم فى الوطن من المسلمين.
لا أحد عاقل يطالب الرئيس بعدم زيارة الكاتدرائية والتهنئة بالعيد حتى تحل مشاكل المسيحيين، بل على العكس فإن هذه الزيارة تمثل رسالة محبة وتضامن قد تساهم فى تخفيف حدة هذه المشاكل، إنما المطلوب ألا نتصور أن حل مشاكلنا فى «لقطة الكاتدرائية» (الرائعة)، وننسى أنه فى الوقت الذى كان قداسة البابا تواضروس يستقبل فيه الرئيس ويتبادلان حديثا وديا ضاحكا، كان هناك شاب مسيحى يعتقل وهو قادم للاحتفال بالعيد، لم يرتكب أى جرم، فهو ليس إخوانيا (شمت فيه الإخوان أشد شماتة بعد اعتقاله لأنه كان من صناع ثورة 30 يونيو)، ولا إرهابيا، ومع ذلك ألقى القبض عليه دون أى أسباب معروفة. واجب الكنيسة أن تتحرك لمعرفة أسباب اعتقاله وتعمل على الإفراج عنه مثل كل شاب أوقف ظلما طوال العامين الماضيين.