نشرت جريدة «المصري اليوم» الجمعة الماضي (8 يناير) حوارًا مع وزير الثقافة حلمي النمنم أجرته الزميلة سحر المليجي، تضمن الحوار تصريحًا للوزير دفعني لكتابة هذه السلسلة من المقالات حول أزمة الثقافة، حيث قال بصراحة صادمة إن ميزانية الوزارة لهذا العام ستلتهمها المرتبات والإنشاءات، حتى إنه لا توجد ميزانية للأنشطة!.
وزارة الثقافة المصرية بعد 51 سنة على إنشائها تحولت إلى مصلحة بيروقراطية للموظفين، وأصبحت من المؤسسات التي تعمل بالمحسوبية والمجاملات، حيث تحول التنافس بين أفرادها من النشاط الثقافي المنزه عن المصالح الشخصية إلى المكافآت والبدلات والسفريات.
وبدلًا من أن تكون ميزانية الوزارة موجهة لأنشطة ثقافية تواكب العصر وتواجه التخلف والتطرف والإرهاب، أصبحت الميزانية بالكاد تكفي للإنفاق على جيش العاملين (الذي يصل لحوالي 40 ألف موظف) بالإضافة إلى بعض الإنشاءات السنوية الجديدة التي لابد منها ذرًّا للرماد في الأعين.
وزارة الثقافة بوضعها الراهن عبء على الشعب المصري دافع الضرائب والممول الأساسي لميزانية الحكومة، فالشعب لا يستفيد منها شيئًا يذكر، رغم أن ميزانيتها بالملايين، فمعظم أنشطتها وإصداراتها تكون مجاملة لأصحاب الأصوات العالية في المجتمع الثقافي الذي تحول لفقاعة هوائية ضخمة وفارغة.
الأنشطة الثقافية التي تقدمها الوزارة لم تعُد تجد رواجًا، فهي تقدم بنفس الطريقة والأسلوب منذ عقود، ولا تفكير في تطويرها، لأن ذلك يحتاج آليات ووسائل لا تملكها الوزارة التي شاخ موظفوها في مكاتبهم الأنيقة، تحولت وزارة الثقافة لكهف يعشش فيه الوطاويط والدبابير المستعدة للقفز في وجه أي أحد يتصور أنه يملك القدرة على استفزازها وإخراجها من موقعها الآمن.
قبل ثورة يوليو 52 كان هناك حراك ثقافي ولم تكن هناك وزارة ثقافة، اهتمت الثورة بالإرشاد القومي لتوجيه الرأي العام، وجعلت له وزارة منذ بدايتها الأولى، ظهرت وزارة الثقافة مقترنة بالإرشاد عام 58 ثم استقلت عنه عام 1965، بدأ عهد وزارة الثقافة الحقيقي في فترتي الدكتور ثروت عكاشة الذي أسس للاتجاهات الأساسية التي حفظت مكانة الوزارة لعقود طويلة، قبل أن تتحول إلى «حظيرة» لتدجين المثقفين.
ارتكز ثروت عكاشة على الثراء والتنوع الثقافي، ووضع في مخيلته دور مصر الريادي في المنطقة وكيف يمكن تأمينه بالثقافة والتي تعد من القوى الناعمة، بالإضافة إلى الحرص على ديمقراطية الثقافة بمعنى أن تكون متاحة للجميع، وليس حكرًا على طبقة دون غيرها، فتوسع في الترجمة عن اللغات الأجنبية ليكون المنتج الثقافي العالمي في متناول القارئ المصري العادي الذي لا يجيد لغات أجنبية وتم إصدار طبعات شعبية من روائع الأدب العالمي ليكون سعرها في متناول الجميع.
وكان من أهداف الوزارة تحقيق لامركزية العمل الثقافي الذي كان قاصرا على العاصمة، فكانت قصور الثقافة التي تم تأسيسها في كل محافظات مصر وكانت مكانًا لتنفيذ خطط الوزارة وتولى رئاستها سعد الدين وهبة في وزارة ثروت عكاشة، بالإضافة للقطاعت التابعة للوزارة والتي كان الهدف منها واضحا في البداية وهو إنتاج ثقافة جاذبة للجمهور وفي نفس الوقت ترقى بمستواهم وتساعدهم على تذوق الجمال ونبذ القبح في القول والفعل.
لست بصدد الحديث عن إنجازات وزارة الثقافة في عقودها الأولى ولكن بصدد الحديث عما أصابها في العقود الأخيرة، لم تعد كلمة ثقافة تمثل قيمة يحرص المجتمع عليها بعد أن تحولت لمستودع موظفين...
وللحديث بقية .
EKTEBLY@HOTMAIL.COM