تؤكد واقعة غرق الإسكندرية منذ أسابيع بسبب مياه الأمطار وتعطل طلمبة واحدة فى محطة التنقية الغربية وما نتج عنه من غرق معظم مناطق وسط والجمرك وغرب الإسكندرية أن الكارثة التى تنتظرها المحافظة ستكون عشوائية، وستكون نجع العرب مركزها ونقطة انطلاقها حيث تحتضن محطة التنقية الغربية التى تعالج مياه صرف نصف الإسكندرية بداية من محطة الرمل وبحرى والأنفوشى والجمرك والقبارى ومحرم بك، بالإضافة إلى العامرية والغرب عامة وخاصة بعد غلق مصب قايتباى مع استمرار التعديات على أرض الصرف من قبل المواطنين وشركة النقل النهرى، الأمر الذى أدى إلى ضيق المصب الخاص بالمحطة، مما ينذر بانفجارها وحدوث ما لا تحمد عقباه حال استمرار التعديات وعدم إزالة ما تم منها.
وأكد مصدر بشركة الصرف أن شركة النقل النهرى قامت بأعمال ردم، مما تسبب فى ارتفاع منسوب المياه بالبحيرة، ويتم صرف المياه المعالجة للمحطة المذكورة منذ إنشائها على حوض الـ6000 فدان ببحيرة مريوط وبعد أن وافق المجلس التنفيذى بالقرار رقم 95 لسنة 2008 على المقترح التخطيطى بين كوبرى 27 والقناة الملاحية شمال محور التعمير لاعتماد التخطيط المقترح للمنطقة أمام مصب محطة التنقية الغربية، بدأت شركة النقل النهرى بالردم، مما تسبب فى ضيق المجرى الخاص بسريان مياه الصرف الصحى وارتفاع منسوب المياه أمام مصب المحطة، مما يهدد بتمزق المحطة وبالتالى غرق غرب المدينة.
وقال المهندس أحمد شعبان، عضو مجلس الشورى الأسبق، إنه تم تقسيم منطقة نجع العرب لعدد 9 شوارع، واستغل المقيمون بها شروع الدولة بإنشاء مساكن شعبية ودخول المرافق والخدمات لها مع بدايات الثمانينيات للاستفادة من هذه المرافق المجاورة لمساكنهم بتوصيل تلك الخدمات خلسة لعقاراتهم، وقد تنبهت الدولة فى ذلك الحين لخطورة استغلال هذه المرافق بطرق عشوائية وتعاملت مع الموقف بإيجابية وتدخلت لترفيق هذه المنطقة رسمياً وكانت هذه أولى محاولات تطوير العشوائيات، وتم توصيل كافة المرافق رسمياً لهذه المنطقة ورصف شوارعها وأنشئت مدرسة ابتدائية بها ووحدة صحية ونقطة شرطة.
وأضاف شعبان أن الدولة ممثلة فى المجلس الشعبى المحلى للمحافظة قررت فى ذات الوقت تخصيص مساحة خمسين فدانا بجوار المنطقة لهيئة الصرف الصحى، لتكون امتدادا لمحطة المعالجة المقرر زيادة سعتها لتستوعب التوسعات العمرانية بمنطقة غرب الإسكندرية ومع إنشاء محور التعمير خلف المنطقة اقتطع المحور جزءا من البحيرة كان بمثابة المخرج الرسمى لتصرفات محطة الصرف الصحى والتى تستوعب نصف تصرفات الإسكندرية لتصب على البحيرة فى هذا الجزء، لتنتقل مياه الصرف المعالجة ابتدائياً إلى ترعة النوبارية متخذة طريقها إلى البحر المتوسط عبر منطقة المكس، ومع الانفلات الأمنى عقب أحداث يناير 2011 وغياب الدولة كانت المنطقة نموذجا صارخا لكل سلبيات توابع الثورة.
وأشار شعبان إلى أن المشكلة الكبرى والأهم التى لا نتردد لحظة بأن نطلق عليها الكارثة الكبرى قبل أحداث يناير 2011 وبعد انتهاء محور التعمير وما نتج عنه من حجز جزء من البحيرة بالجانب البحرى من المحور بعرض تقريبى حوالى 230 مترا وبطول حوالى 2 كيلو متر كانت بمثابة ممر مائى تستخدمه شركة الصرف الصحى كمخرج وحيد لمحطة المعالجة التى تجمع تصرفات نصف مناطق الإسكندرية لتصب من خلال هذا الممر المائى لتصل إلى ترعة النوبارية ومن خلالها تصب على البحر المتوسط عبر بوابة المكس، وأضاف: «تقدمت الشركة الوطنية للنقل النهرى إلى المحافظة فى 2009 بطلب شراء جزء من هذا الممر المائى لإنشاء رصيف نهرى عليه وهو موقع غاية فى التميز كونه يقع على الممر النهرى المتصل بترعة النوبارية ومن ثم بميناء الإسكندرية وفى ذات الوقت فالموقع على محور التعمير مباشرة وبالتالى فهو بمثابة موقع لا يضاهى من حيث الشحن والتفريغ والربط مباشرة بأسرع المحاور التى تختصر وتسهل الربط بالطرق السريعة بالجمهورية، وقد قررت المحافظة بيع حوالى 70000 متر مربع (ردم مساحة بطول 700 متر وعرض 100 متر) بمبلغ لا يزيد على 70 مليون جنيه بواقع أقل من 1000 جنيه للمتر المربع، مما تسبب فى خنق الممر المائى الذى يعد المخرج الوحيد لنقل تصرفات محطة المعالجة للصرف الصحى وقد تنبهت شركة الصرف فى حينه لخطورة الأمر مستقبلياً، وتقدمت بالعديد من المكاتبات لوقف هذا المشروع إلا أن الأمر مضى فى طريقة دون أى اعتبارات للأمن القومى حال تفاقم تلك المشكلة.
وقال اللواء يسرى هنرى، رئيس مجلس إدارة شركة الصرف الصحى السابق: تقدمت بمذكرة للمحافظ بشأن التعديات على أرض الشركة ونبهت إلى خطورة ذلك بالإضافة إلى محاولات الاستيلاء على الأرض المخصصة للتوسعات بمنطقة التنقية الغربية حتى تتم معالجة ثانوية للمياه، لأن هذه المنطقة بهذا الوضع معرضة للاغتصاب من قبل مافيا تقسيم الأراضى وردم البحيرات.
وأضاف هنرى: «حررنا محاضر عديدة بقسم الشرطة لوقف التعديات ولدينا مشروعان جاهزان للتنفيذ ولكن فى انتظار توفير التمويل لهما للبدء فورا فيهما ولكن الأهم الآن وقف التعديات على أرض الشركة المخصصة لهذه التوسعات».
وقال المهندس ياسر سيف، عضو المجلس الشعبى المحلى السابق: «عقب أحداث 25 يناير ومع غياب الدولة والانفلات الأمنى المصاحب لها توسعت مافيا الأراضى ومصاصى دماء الوطن فى ردم الممر المائى من الجانب البحرى فى المساحة التى تم فيها إنشاء الرصيف النهرى الخاص بالشركة الوطنية للنقل النهرى بالجانب القبلى دون الالتفات لخطورة الكارثة حتى وصل عرض الممر المائى لمخرج الصرف الصحى إلى 8 – 10 أمتار فقط بعد أن كان قبل أحداث يناير وقبل إنشاء الرصيف النهرى 230 مترا وقد استغاثت شركة الصرف الصحى بمحافظ الإسكندرية آنذاك باللواء طارق مهدى للتدخل السريع لوقف التعدى على الممر المائى حتى لا تفاجأ الإسكندرية بكارثة كبرى تهدد مناطق غرب الإسكندرية بالكامل والذى بادر بالتهديد بإحالة كافة المسؤولين عن هذا الملف للنيابة العامة فوراً، وكذلك أصدر قراراً بتشكيل لجنة عليا برئاسة اللواء حسين رمزى السكرتير العام للمحافظة آنذاك وعضوية كل من اللواء أحمد محمود متولى رئيس حى غرب ومندوبين عن شركة الصرف وعن الجهاز التنفيذى للمشروعات وعن الشركة الوطنية للنقل النهرى وممثلين عن الثروة السمكية بالمحافظة وعن جهاز حماية أملاك الدولة وعن التخطيط والتنمية العمرانية وممثلين عن القوى السياسية والمجتمع المدنى بالمحافظة وباشرت اللجنة أعمالها على وجه السرعة، وكلفت شركة الصرف بإعداد مقايسة بالحل السريع الذى يوقف هذه الكارثة، على أن تدبر المحافظة تكلفتها سواء بتحميل هذه التكلفة على الشركة الوطنية للنقل النهرى أو تدبيرها من موازنة الدولة».
وأضاف سيف: «رغم قيام شركة الصرف بإعداد مقايسة بحل سريع مؤقت لوقف الكارثة والتى وصلت تكلفتها لحوالى سبعة ملايين جنيه إلا أنه حتى تاريخه لم تبدأ أى خطوات فعلية لوقف هذا التعدى على أملاك الدولة».
ورصدت «المصرى اليوم» بالصور أعمال الردم التى تتم على قدم وساق دون أى اعتبارات للكارثة المقبلة والتى تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومى.
ورصد الدكتور طارق القيعى، رئيس مجلس شعبى المحافظة السابق، القصة التاريخية للمشكلة منذ بدايتها حيث قال: «عام 1980 صدر القرار الجمهورى بإنشاء محطتين للتنقية شرقية وغربية خاصتين بمياه الصرف الصحى الناتجة من مدينة الإسكندرية ومعالجتها ابتدائيا، على أن تصرف تصرفات المحطتين على حوض الـ6 آلاف فدان ببحيرة مريوط، بتكلفة تجاوزت مئات الملايين، وعام 1996 كانت بداية مشروع إنشاء محور التعمير الذى تم الانتهاء منه عام 2002، وقد نتج عند فصل مصب محطة التنقية الغربية عن الحوض الرئيسى ببحيرة مريوط، وبناء عليه تم تحويل صرف المحطة فى اتجاه الوصلة الملاحية من أجل الحفاظ على مسار مياه الصرف الصحى مع قيام شركة الصرف بتطهير مسار المياه من المصب وحتى الوصلة الملاحية بصفة دورية، وهذه المساحة بطول كيلومتر وعرض 200 متر ما يطلق عليها حوض التخزين (الترسيب)، وللهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية دور حيث تقوم بتطهير المسار بدءا من الوصلة الملاحية وحتى مصرف العموم بصفة دورية أيضا وتأتى من هنا خطورة ردم أى جزء منه نظرا لخطورة ذلك على ارتداد مياه الصرف داخل محطة التنقية وإغراقها، مما يتسبب فى ضياع مئات الملايين ، بالإضافة إلى غرق غرب الإسكندرية بالكامل».
وأشار القيعى إلى تقدم هيئة ميناء الإسكندرية سنة 2005 بطلب لشركة الصرف الصحى لتخصيص المسطح المحصور بين كوبرى 27 شرقا، وترعة النوبارية غربا، ومنطقة نجع العرب ومحطة التنقية الغربية للصرف الصحى شمالا، والطريق الدولى الساحلى جنوبا، بمسطح 600.000 متر مربع وردت شركة الصرف بأن محطة التنقية الغربية هى محطة معالجة للصرف الصحى الرئيسية فى الإسكندرية، وأن المسطح المطلوب تخصيصه يتعارض مع مخارج ومصبات المياه المعالجة، وكذلك مع التوسعات الخاصة بها المحددة بمعرفة المعونة الأمريكية التى تم تخصيص 46 فدانا لها (جزء منها مردوم والجزء الآخر داخل مياه البحيرة ولم يتم ردمه بعد)، وتقع مساحة الـ 46 فدانا داخل نطاق مسطح الـ600 ألف المشار إليها، وعليه لا يمكن الاستغناء عن جزء من أو كل الـ 46 فدانا المخصصة للشركة، وأن الموقع المراد تخصيصه يتعارض مع مسار المياه المعالجة، وكذلك يتعارض مع خطط الشركة المستقبلية بشأن التوسعات الخاصة بمحطة المعالجة للمنطقة الغربية، وهى إحدى المحطات الرئيسية التى تستقبل تصرفات مناطق وسط والجمرك، وعليه فإن شركة الصرف الصحى لا توافق على تخصيص هذا الموقع لهيئة الميناء.
وأوضح أنه رغم رفض شركة الصرف طلب هيئة الميناء تم تشكيل لجنة من الجهات المعنية لمناقشة الأمر وانتهت اللجنة بشأن الطلب المتضمن تخصيص 600 ألف متر بالحوض المواجه لمخرج محطة التنقية الغربية إلى التوصية بتعارض أعمال الردم لزوم التخصيص مع المرور الآمن لمياه الصرف، لأنه سيزيد الأمر سوءا.
ولفت القيعى إلى خطاب رئيس مجلس إدارة شركة الصرف الأسبق إلى ملاحظة قيام الشركة الخاصة بالموانئ النهرية بردم مصب محطة التنقية الغربية، مما سيؤدى إلى غرق المحطة التى تكلفت مئات الملايين وغرق مناطق غرب الإسكندرية، مما يهدد بكارثة بيئية محققة، وبعيدا عن المخاطبات الرسمية كان ما يحدث فى الواقع مخالفا تماما، حيث بدأت الشركة الخاصة بإدارة الموانئ تنفيذ أعمال الردم بسرعة كبيرة قبل أن يتم النظر والبت النهائى فى الطلب المقدم من هيئة الميناء، وقبل الانتهاء من القضاء على الاختلاف الجوهرى فى عملية تحويل مسار مياه الصرف الصحى لبحيرة مريوط مرة أخرى، مما حدا برئيس مجلس إدارة شركة الصرف لمخاطبة السكرتير العام لمحافظة الإسكندرية لتأكيد قيام إحدى شركات المقاولات بردم مصب التنقية الغربية بعرض 100 متر و650 مترا طوليا، مما قد يسبب كارثة فى غرق محطة التنقية الغربية ومناطق وسط والجمرك، كما أكد قيام الشركة بتحرير المحضر رقم7243 إدارى مينا البصل، وجاء قرار النيابة بتشكيل لجنة من الإدارة الهندسية بالمحافظة لبيان صحة وقانونية أعمال الردم الجارية بمصرف محطة التنقية الغربية، والاستشهاد بترخيص الردم من قبل الشركة القابضة لإدارة الموانئ النهرية.
واختتم القيعى كلامه قائلا: «حمل خطاب رئيس مجلس إدارة شركة الصرف عام 2008 لسكرتير عام المحافظة ملاحظة ارتفاع منسوب المياه ببحيرة مريوط أمام مصب محطة التنقية الغربية بصورة لم يسبق لها مثيل، مما يهدد بارتداد مياه البحيرة داخل المحطة وإغراقها، وبالتالى غرق غرب الإسكندرية وهكذا منذ هذا التاريخ وحتى الآن الردم مستمر والتعدى على أرض شركة الصرف مستمر والخطر يهدد غرب الإسكندرية بالكامل ولا أحد يتحرك».