هى واحد من أسباب ثورة يناير، وهى قاسم مشترك فى 30 يونيو، وهى محل اهتمام كل أجهزة الدولة، لكنها لم تزل موجودة وباقية، تعشش فى معظم أركان الحياة، لم تُهزم ولم تسقط، بقيت بيننا، تفعل فينا ما تريد، إنها «دولة الفساد» التى تعطل وتهدم كل خطوة إلى الأمام.
ودولة الفساد واحد من أهم معوقات التنمية، تمتد على خط طويل، تدفعك إلى السير فى خطوط ملتوية لتنجز أبسط الأشياء، وتلازمك إلى أكبر المشروعات، وأسست النظم لهذه الدولة الملعونة، فوضعت العراقيل البيروقراطية، وفرضت التعقيدات الإجرائية، تلقى بأى ملف فى درج الموظف البسيط وتقضى عليه بالحبس المطلق، لا يخرجه منه إلا قليل أو كثير من «الأوبيج»، حسب المصلحة التى تريد إنجازها.
وتعالوا نذهب فى رحلة سريعة إلى هذه الدولة التى تعيش بيننا، راجع كيف تتمكن من استخراج بطاقة تموين أو رخصة قيادة أو تجديد تراخيص سيارة، وانظر إلى خطوات استخراج موافقات بمشروع استثمارى أو تصدير منتَج صناعى، فى كل هذه الخطوات لن تغفل عينك طابور السماسرة «والمخلصاتية» والوسطاء.
والحقيقة أن الدولة ترغب فى هدم دولة الفساد، لكنها غير جادة فى تحقيق ذلك، لأن سن القوانين ووضع ضوابط الرقابة يضعان مزيدا من التعقيدات على إنجاز الخدمات، ويرغمان المواطن على البحث عن سبل الحلول غير التقليدية، و«مخلصاتى» ينجز له مطلبه.
وأولى طرق مواجهة هذه الدولة تلزمها إعادة مراجعة كاملة لكومة كبيرة من القوانين والضوابط والقيود، أضف إلى ذلك مزيدا من الحوافز للمجتهد والمخلص، وعقوبات صارمة للفاسدين والمفسدين والمعوقين، ويحتاج الجهاز الإدارى إلى تطوير شامل، واستخدام حقيقى للحكومة الإلكترونية، لأن فى ذلك إبعادا وابتعادا عن تدخل العنصر البشرى وتحكمه فى مصالحهم.
وروى لى صديق تجربة غريبة فى رحلته مع دولة الفساد، صاحبنا دبَّر مبلغا بعد رحلة حياة قاسية، قرر أن يستثمر المبلغ فى مشروع لصناعة «رابطة العنق» وتصديرها إلى الخارج، ومع بداية التصاريح والموافقات، دفع و«أَبَّج»، ومع بداية دوران ماكينات المصنع تخيل أن كل شىء قد انتهى، لكنه فوجئ مع بداية الإنتاج بمسؤول الصناعة يُجرى تفتيشا يطلب خلاله أن يجرب الإنتاج الجديد بشكل شخصى، وبعده مسؤول مراجعة اشتراطات السلامة، ثم موظف الحى وغيرهم، ومع أول خطوة للتصدير قابل نفس العينات فى الجمارك والشحن، لم يحتمل، فقرر تسريح العمالة وإغلاق المصنع.
التقاه صديق وعرض عليه السفر إلى الصين لمشاركته مشروعا لتجميع أجهزة الحاسب الآلى، سافر معه وهو مستعد لنفس السلوك مع الأجهزة هناك، لكنه فوجئ بجهاز واحد من الدولة يوجه له عدة أسئلة، مجملها: هل ستقيم المشروع على أرض الصين، وهل ستستخدم عمالة صينية، وهل ستستخدم موانئ وناقلات الصين فى التصدير وتتعامل بالعملة المحلية وتدفع الضرائب؟ يقول الرجل إنه أجاب بأنه سيفعل كل ما تقدم، فإذا بالمسؤول الصينى يسأله عما يريده من تسهيلات حتى ينجز مشروعه.
والفرق فى المعاملة هو الذى يجعل من دولة مثل الصين قِبلة للمستثمرين، ويحول مصر إلى العكس تماما، إذا لم تصدقونى راجعوا ما تم ويتم مع رجال الأعمال فى مصر، وتأكدوا أن الحال المايل لا تصلحه الأمانى، لأن شعبا كاملا على أرض الكنانة يعانى بسبب دولة الفساد.