نعيش تداعيات الخوف على مصير الوطن، حيث نتابع يومياً كيف يهبط سقف الحرية بحجة حماية الأمن القومى، ونترقب أعجب مجلس شعب عرفته مصر، يتصدره حزب أغلبية يحوطه اتهام بأنه صنيعة أجهزة سيادية ورئيس الحزب يؤكد أنها تهمة لا ينكرها وشرف لا يدعيه، ونلمح على الميمنة والميسرة بين أعضاء المجلس من تخصصوا عبر الفضائيات فى هتك أعراض المصريين وتهديد معارضيهم بالضرب بالأحذية، ثم لا تنسَ أن تحت القبة شيوخ التسريبات، مما سيؤدى إلى أن كل برامج «التوك شو» ستتوقف حتما عن بث إرسالها بعد البث الحى اليومى من مجلس الشعب.
تتضاءل أهمية كل تلك الأحداث، لأن «الميديا» مشتعلة حاليا بقضية مصيرية، رغم أن المفروض أنها لا تشغل أحداً سوى صاحبها، وهى حقيقة إسلام المطرب جورج وسوف، الفنان يُقدم إبداعه للجميع، مؤمنين أو ملحدين، بينما عندما يتعصب الجمهور تُصبح خانة الديانة هى شغله الشاغل، كثيرا ما تابعت «سلطان الطرب» فى المهرجانات الغنائية، فهو صاحب أعلى «كاريزما» جماهيرية عرفتها بين المطربين فى الثلاثة عقود الأخيرة، حتى عندما وهن الصوت وخصم المرض الكثير من لياقته البدنية، لا يزال بحضوره وإشعاعه الخاص يحتل المقدمة، جورج سورى الجنسية، لكنه يعيش فى لبنان وهو يقول دائما سوريا وطنى ولبنان بيتى.
أتذكر تلك الواقعة قبل عشر سنوات، فى مهرجان «جرش» بالأردن أن أحد المعجبين ألقى بنفسه من أعلى درجات المسرح الرومانى على المسرح لكى يفوز بمجرد صورة مع جورج، وعلمت بعد ذلك أنه أصيب بعاهة مستديمة فى ساقه ولكنه سعيد بتحقيق أمنيته، كان الجمهور دائما ما يستحلفه قائلا (علشان خاطر النبى أعد يا «أبووديع » أعد) وأبووديع هو اسم الشهرة لوسوف.
قالوا إنه أشهر إسلامه قبل سنوات بعد زواجه من مسلمة تعرف عليها أثناء تلقيه العلاج، فاضطر مؤخراً إلى إعلان أنها مجرد شائعة، فنشروا له صورا وهو يجلس بجوار أحد الشيوخ وكان التعليق جورج يلقى بالشهادتين.
بين الحين والآخر يُطل الدين كطرف فى تعاملنا مع الفنانين، حتى النجوم العالميون، مثلا الشقيق الأكبر لمايكل جاكسون أعلن بعد رحيله أنه كان فى طريقه لإشهار إسلامه، مما أدى إلى غبطة وسعادة مؤقتة فى العالم العربى، وهو ما سبق أن تردد عن أنتونى كوين بعد بطولته لفيلمى «الرسالة» و«عمر المختار». وسبق مثلا لجينا «ابنة» نجيب الريحانى أن روجت لحكاية إسلام أبيها، وهو ما تردد أيضاً عند رحيل «يوسف شاهين»!!
رغم أننا عندما نحب الفنان لا نفتش عن ديانته، ومشاعر الحب التى حظى بها مثلاً «الريحانى» فى حياته ولا تزال تزداد بعد رحيله، فهو المتعهد الأول للضحك، إسلام المشاهير هو الوجه الآخر للتطرف الدينى، لقد حدث عند وداع «يوسف شاهين» شىء من هذا عندما طالب البعض تلميذه الأقرب «خالد يوسف» بإظهار وثيقة إسلامه حتى يتسنى لهم إقامة الطقوس الإسلامية بدلاً من الطقوس الكاثوليكية طبقاً لديانته التى نشأ عليها وهكذا كانوا يريدون أن يخرج جثمانه من جامع «عمر مكرم».
لماذا بين الحين والآخر نبحث عن مواقف ونستند إلى وقائع لتأكيد الديانة؟ منها مثلاً أن هذا الفنان كان يقرأ القرآن أو يحتفظ بالمصحف فى بيته وهى بالمناسبة كثيراً منها حقائق، إلا أنها لا تعنى بالضرورة إشهار الإسلام، المعروف أن «نجيب الريحانى» كان يحتفظ بمصحف فى بيته وتحت وسادته.. أيضاً الكاتب الكبير «موسى صبرى» عند وداعه فى الكنيسة قبل نحو 25 عاماً كان يحتفظ بمصحف فى مكتبه وبيته وتحت وسادته، ولكن هذا لا يعنى أن تسرى لحظة وداعه شائعة إسلامه.
كان «يوسف شاهين» من عشاق صوت الشيخ «محمد رفعت» بل وطلب عند وداعه أن يخرج جثمانه من «عمر مكرم» على صوته الملائكى، وهى كما ترى رؤية سينمائية أكثر من كونها دينية، يوسف شاهين لم يُدخل أبدا فى تعاطيه مع الفن عامل الدين، فهو كما قال فى «حدوتة مصرية» على لسان محمد منير بشعر عبدالرحيم منصور وتلحين أحمد منيب ((لا يهمنى اسمك لا يهمنى عنوانك/ لا يهمنى لونك ولا بلادك مكانك/ يهمنى الإنسان ولو مالوش عنوان))، فى أحاديثه كثيرا ما كان يذكر أن فى عائلته سنة وشيعة ودروزا وكاثوليك وبروتوستانت وأرثوذكس، تسامحه مع كل الأديان لا يعنى إطلاقا اعتناقه الإسلام.
كان «نجيب الريحانى» يعرف الكثير عن القرآن باعتباره يعيش فى مجتمع مسلم، الأديان كرافد ثقافى تؤثر فى عادات وتقاليد الشعوب والضحك يستند بالدرجة الأولى إلى مؤثرات اجتماعية، فإن الإلمام بتفاصيل الدين الذى تعتنقه الأغلبية يصبح فى هذه الحالة حتمياً. كان «وليم مكرم عبيد» سكرتير عام الوفد يستشهد دائماً فى خطبه بآيات من القرآن، فهو أحد الكبار الذين امتلكوا ناصية اللغة، ولكن اعتناق الإسلام قضية أخرى، البابا شنودة بالمناسبة كثيرا ما كان يردد آيات من القرآن.
هل الإيمان بدين الأغلبية هو الطريق لامتلاك الحب؟ لا أتصور أن الناس تتعامل مع مشاعرها بمنظور دينى، والدليل أن المصريين أحبوا «نانسى عجرم» ولم يسألوا عن ديانتها وحقق «جورج قرداحى» و«نيشان» و«تونى خليفة» نجاحاً جماهيرياً لافتا فى مصر بدون أن نسأل عن الديانة.
قبل 40 عاما فى بداية ظهور هانى شاكر، تصور البعض أنه من الممكن أن يؤثر على شعبيته سلبا لو أشاع أنه مسيحى، ووجد هانى أن الوسيلة غير المباشرة هى أن يؤكد فى كل البرامج التى تستضيفه أنه يؤدى الفروض الخمسة، شىء مماثل حدث مع محمد صبحى، عندما أشاعوا قبل 15 عاما، أنه مسيحى واسمه مجدى، ولم تكن الميديا بالطبع قد انتشرت مثلما حدث الآن، ولكن الخبر كان هو حديث الناس فى الشارع، واستغلوا وقتها أنه فى القرى، كانت هناك عادة أن يطلق المسيحى عندما يموت له العديد من الأبناء اسم مسلم على المولود والعكس أيضا يحدث بين المسلمين، وهكذا قالت الشائعة إن والده المسيحى سماه محمد لإبعاد العين، وكان الأمر ثقيلا جدا على صبحى، كيف يؤكد إسلامه ولا يجرح فى نفس الوقت المسيحيين.
هل تفرق معك وأنت تشاهد أفلام داوود عبدالسيد ومحمد خان أن الأول مسيحى والثانى مسلم، هل تتوقف عن الضحك عندما تشاهد أفلام نجيب الريحانى، بعد أن علمت أنه لم يشهر أبدا إسلامه.. هل تنكر أن ذاكرتك البصرية السينمائية لا تزال تعيش على ضفاف أفلام يوسف شاهين، بعد أن علمت الحقيقة وهى أنه كان فقط يعشق صوت الشيخ رفعت.. هل لن تستمع بعد الآن إلى صوت جورج وسوف وتستحلفه قائلا ((أعد والنبى يا أبووديع أعد)).