الدكتور طارق قابيل، وزير الصناعة -إن كانت فى مصر صناعة- يتمسك بالألفاظ والأسماء.. ويترك الجوهر.. وينسى الأصل والأصول.
فقد أكد أن قراره بوقف استيراد 50 سلعة إلا بعد تسجيل بلد المنشأ هدفه تنظيم الاستيراد لدعم الصناعة المصرية.. وكل ما يهمه هنا هو طلب شهادات الجودة، وتسجيل العلامة التجارية.. أى كل همه هو الشكل.. ولكن ماذا عن جودة الصناعة المصرية.. وماذا عن حمايتها؟!
وإن كنت أرى أن هدف الوزير هو دعم المنتج الأجنبى بدليل اهتمامه بالتفتيش على المصانع التى نستورد منها. ثم إن الوزير يتمسك للغاية بالاتفاقيات الدولية ويحترمها جدًا.. ولا يهم إن كان هذا الاستيراد يؤدى إلى تدمير الصناعة الوطنية.. وإغلاق ما بقى من مصانعنا.
هنا أقول لوزير الصناعة- بلا وزارة للصناعة- هل نحترم هذه الاتفاقيات حتى ولو كانت تؤدى إلى تدمير صناعتنا الوطنية.. وهل جاء لتنفيذ هذه الاتفاقيات أم لقتل الصناعة؟
نحن، يا سيادة الوزير بلا وزارة، لا يهمنا من هذه الاتفاقيات إلا ما يتعلق بحماية الصناعة الوطنية.. ولتذهب هذه الاتفاقيات إلى الجحيم إن تعارضت مع الأهداف القومية، ولا ننسى هنا الجنرال ديجول، رئيس فرنسا، الذى فضّل مصالح وطنه على مصالح كل دول حلف الأطلنطى «الناتو»، وكل ما يترتب على موقفه هذا من نقل مقر حلف الأطلنطى من فرنسا.
ولكننا -فى مصر- ملكيون أكثر من الملك.. فنحترم حتى الاتفاقيات التى تضرّ ببلادنا وتدمر اقتصادنا. والدليل أن فاتورة وارداتنا قفزت بحوالى النصف عما استوردناه فى العام الأسبق، وعندما طالبنا بالحد من الواردات، ليس فقط لحماية الصناعة الوطنية، ولكن لتخفيف الضغط على العملة الوطنية لصالح الدولار، فُوجئنا بموقف الوزير الذى يهتم فقط بالمظهر دون الجوهر.. وكأن القضية فقط هى شهادة منشأ!! ولم يقدم لنا برنامجًا «قوميًا» للحد من الاستيراد.. حتى نُوقف مأساة هذا الخلل فى الميزان التجارى.. خصوصًا بعد أن أصبحنا نستورد «زبالة مصانع العالم»، وفى مقدمتها إنتاج الدرجة الخامسة من الصين!!
فهل سياسة وزارة الصناعة الآن تساهم فى المخطط الذى يستهدف تدمير الصناعة الوطنية، والذى تتوحد فيه مصالح المُصدرين لنا مع مصالح مافيا المستوردين المصريين.. وكنت أتمنى أن يخرج علينا الوزير ببرنامج مُحدّد وواضح يقول لنا إنه- والدولة المصرية- يسيران فى خط واحد للحد من الواردات ولو لفترة محدّدة، مدتها 10 سنوات، إلى أن نُوقف هذا الخلل.
برنامج يخبرنا بأنه «قد تقرر» بالفعل وقف استيراد كل السلع التى لها بديل أو شبيه ولو بنسبة ضئيلة، بل ووقف استيراد مستلزمات بعض السلع غير الضرورية.. وهنا نقول إن مصر لن تموت جوعًا إذا أوقفنا استيراد الثوم والكمثرى وأبوفروة من الصين.. ولن نستورد بقايا مصانع الملابس كيفما اتفق.. حتى ولو كانت سجادة صلاة من تركيا التى تصدر لنا الموت فى كل تحركاتها.. بينما تتزايد فاتورة ما نستورده منها وأيضًا من عدس وزبيب وفول تدميس.. أَلَا يقتضى ذلك أن نربط تجارتنا مع الآخرين بمواقفهم السياسية منا.. أليست هذه هى السياسة الوطنية الواجب اتّباعها؟
ويكفى تمويل الصين سد النهضة فى إثيوبيا وتوريدها معدات بناء هذا السد.. ولكننا بدلًا من أن نُوقف أو نُقلّل من تجارتنا معها، نترك الحبل على الغارب لمافيا الاستيراد الصينى.
أم حقًا نحن ننفخ فى قربة مقطوعة، فرئيس الجمهورية فى جانب يكاد يعمل وحده، بينما مِن الحكومة مَن يعمل ضد ما يريده الرئيس.
نريد- ونحن قد دخلنا عاماً جديداً- أن نجعل من هذا العام عاماً جديداً فى كل شىء. نحاول فيه إصلاح بعض ما ازداد اعوجاجًا فى السياسة الاقتصادية المصرية.. وللأسف نحن لا نرى أى بادرة جادة لإصلاح هذا الخلل الاقتصادى الرهيب.. فُحلم كل المصريين فى جانب إيجابى.. وما تُنفذه الحكومة- ووزارة الصناعة والتجارة- فى جانب سلبى.
نريد- وفورًا- برنامجاً واضحاً للحد من الواردات، مهما كان الثمن، ولمدة لا تقل عن 10 سنوات.. هذا أو الطوفان.