فى مرات سابقة، قلت: هناك وجه شبه بين السيسى والسادات.. يتمثل فى استشراف المستقبل.. السادات كان سابقاً لعصره، فكان بطل الحرب والسلام.. وهذه حقيقة.. السيسى أيضاً سبق عصره.. فقد طلب تفويضاً لمكافحة الإرهاب، لأنه كان يعلم رد الفعل على إزاحة الإخوان.. كما طلب من القادة العرب تشكيل قوة عربية مشتركة، لأنه كان يعرف أن قوة الردع تمنع بلاوى كتيرة.. وقد رأينا ما جرى بالفعل!
بالأمس ذكّرنا الدكتور نبيل العربى بفكرة السيسى عن القوة العربية المشتركة.. قال إنه كان الأكثر حماسة لمشروع القوة العربية المشتركة، وإنه هو الذى طرح الفكرة فى القمة العربية فى شرم الشيخ.. وكان يحاول- فى الجلسات المغلقة للزعماء- شرح أهمية الفكرة.. للأسف، خرجوا وكأنه لم يقل شيئاً.. تصوروا ساعتها أن مصر تريد دعماً عسكرياً لضرب ليبيا.. وقال أحدهم: «الحل السياسى» هو «الحل»!
فهل تعرف أين ذهبت القوة العربية المشتركة؟.. وهل تعرف لماذا لم تَرَ النور؟.. وهل تعرف مَن عطلها؟.. الإجابة عن الأسئلة السابقة كلها هى السعودية، وربما بإيعاز من قطر.. أيامها قرأت مقالات فى «الشرق الأوسط» يقول أصحابها: الحل السياسى ضرورى فى ليبيا.. فلماذا لم تروا أن الحل السياسى ضرورى فى اليمن وسوريا؟.. لماذا أعلنتم الحرب على اليمن؟.. ولماذا استعديتم العالم على سوريا أيضاً؟!
الغريب أن الزعماء يجتمعون وينفضون بلا أدنى نتيجة.. إيران تعرف هذا، وأمريكا تعرف أنهم لن يتفقوا.. نبيل العربى كاد يقولها: لو أنكم استجبتم لفكرة السيسى لكان الأمر قد تغيّر.. كان القرار فى مصلحة الخليج قبل مصر.. مصر تكفى نفسها وزيادة.. لكن الطوفان حين يأتى لن ينتقى هذا ويترك ذاك.. لابد أن يُصلح الجميع المركب.. لو أفسده الذين «فى الأسفل» غرقوا، وغرق الجميع «بلا استثناء»!
حين أطلق الرئيس السيسى دعوته لتشكيل قوة عربية كانت هناك مناوشات فى الغرب، وكانت طلعة جوية واحدة كفيلة بإنهاء المشكلة.. وحين كان الرئيس يطلب دعم الخليج قرأت مقالات أيضاً يقول أصحابها: «لازم مصر تعتمد على نفسها شوية».. يا سلام.. هل آن الأوان أن نقول لكم: «اعتمدوا على أنفسكم بقى»؟.. هل آن الأوان أن نقول لكم: اذهبوا جميعاً فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون؟.. لا يمكن أن نفعلها أبداً!
ولعلّ من أهم مزايا «السيسى» حقيقة أنه «كبير».. يعرف قيمته ويعرف قيمة مصر.. يعرف مكانته ويعرف مكانة مصر.. لا هو غضب ولا هو «انقمص».. بلع ما قاله البعض عن القوة العربية، وعن الدعم.. التزم الصمت.. لم يكشف الأمور عبر خطاب سياسى.. بالعكس.. تصرف كرجل مخابرات كتوووم.. راح يتابع وينتظر.. لم يندفع ولم يتربص ولم يفرح.. تصرف كقائد يحتاج الجميع وقت الشدة، بلا تمييز!
لم تكن مصر تدعو لتشكيل قوة عربية مشتركة لأنها فى ورطة، لا قدر الله.. كانت تقرأ المستقبل.. ولا يعنى هذا أنها تريد الحرب أبداً.. مصر دولة لا تعتدى.. «القوة المشتركة» أصل فى اتفاقية الدفاع المشترك.. لكن هناك مَن ماطل، وهناك مَن قال: «اعتمدوا على أنفسكم شوية».. هل نقول لكم: اذهبوا فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون؟!