يتوقع البعض أن تأخذ أسعار البترول فى الارتفاع كلما اشتدت الأزمة بين السعودية وإيران، ليس بسبب تزايد الاستهلاك العالمى.. ولكن تخوفاً من تزايد حدة الأزمة.. ولجوء الدول إلى زيادة مخزونها من البترول.. ووسائل هذا التخزين عديدة.
وقد بدأت شواهد تزايد أسعار البترول بمجرد بداية أحداث المشكلة بين السعودية وإيران.. فقد زادت أسعار خام برنت - وهو خام القياس.. وخام غرب تكساس.. وسوف تتزايد.. ولكن لماذا؟..
لأن السعودية وإيران هما أكبر دولتين منتجتين للبترول، وأكبر مصدرتين له بين أعضاء منظمة الأوبك.. والسبب الثانى أن منطقة الخلاف تقع فيها الكويت ودولة الإمارات.. وكذلك العراق، فى الشمال.. وهذه الدول الثلاث هى من أكبر المنتجين والمصدرين داخل الأوبك، وبالتالى فإن أى مشكلة - فى هذه المنطقة - تؤثر بالفعل على سوق البترول.. وعلى الطلب عليه، وبالتالى على أسعاره.. رغم أن موسم التعاقدات عليه قد انتهى.. ولكن الأمر يتعلق بالمستقبل القريب والتخوف من أن تتصاعد المشكلة، فتعمد إيران إلى زيادة المشاكل، خصوصاً أنها تتحكم فى الممر البحرى الحيوى لناقلات البترول عند مضيق هرمز، الواقع تحت السيطرة الإيرانية من الشمال.. حتى وإن كان الطرف الجنوبى يقع داخل سيادة سلطنة عمان.
ذلك أن الحصة الأكبر من بترول هذه المنطقة تأخذ طريقها إلى الدول المستهلكة عبر هذا المضيق، خصوصاً أن خطوط الأنابيب التى تنقل البترول العراقى، وأيضاً البترول السعودى، تمر الآن فى مناطق قتال حقيقى مع الدواعش، رغم أن بعض هذا البترول يأخذ طريقه - وبالذات العراقى - إلى سواحل تركيا، على البحر المتوسط.. هنا يصبح الممر الأساسى للبترول يأخذ طريقه عبر مضيق هرمز، حتى وإن كانت حصة كبيرة من بترول أبوظبى تأخذ طريقها للأسواق الخارجية عبر موانى الفجيرة - وهى من أرض دولة الإمارات - إلى بحر عمان، فالمحيط الهندى.. وكان ذلك نوعاً من الذكاء الإماراتى للهروب به من عنق الزجاجة، أى من مضيق هرمز.. ولكن هذا الخط - مع ضخامته- لا يستوعب كل إنتاج أبوظبى، أكبر الإمارات المصدرة للبترول.
وهناك قضية - قد تبدو - جانبية فى هذه النقطة بالذات وهى احتمالات أن تهدد إيران بإغلاق الممر أمام ناقلات البترول.. مما يمكن أن يؤدى إلى توتر أكبر، وبالتالى يتسبب ذلك فى اشتعال الأزمة.. بل ويؤدى إلى الحرب، لأن معظم البترول الخارج من عنق زجاجة مضيق هرمز هذا يتجه إلى المستوردين الكبار فى شرق وجنوب شرق آسيا، وبالذات إلى اليابان - أكبر المستوردين - والهند وباكستان.. وكل النمور الآسيوية.
ولكننى لا أتوقع تصاعد الأزمة البترولية كثيراً لعدة أسباب، فى مقدمتها أن دول الأوبك لا يزيد حجم صادراتها من البترول على 40٪ من الصادرات العالمية.. لأن هناك دولاً - داخل الأوبك - خارج منطقة الصراع الحالى والمتوقع، مثل الجزائر فى شمال أفريقيا ونيجيريا فى غرب أفريقيا، فضلاً عن فنزويلا فى شمال أمريكا الجنوبية، وهى من المنتجين والمصدرين الكبار.
فضلاً عن وجود منتجين عمالقة للبترول خارج منظمة الأوبك، فى مقدمتهم المكسيك، التى يطلق عليها منذ سنوات «الكويت الجديدة» ودولتا النرويج وبريطانيا، فى بحر الشمال، وكذلك روسيا والصين وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق فى وسط آسيا.. وغيرها.
وكان الحرص على توفير مخزون كبير لدى الدول المستهلكة الكبرى قد دفع هذه الدول إلى تخزين ما تحتاجه.. حتى إن الولايات المتحدة - مثلاً - لجأت إلى تخزين كميات كبيرة، باستخدام ناقلات البترول العملاقة، سواء أمام سواحلها الشرقية على المحيط الأطلنطى أو سواحلها الغربية على المحيط الباسيفيكى.. وكذلك إلى تخزين كميات أخرى فى مناجم الفحم، بعد تبطينها بمواد عازلة. ووصل معدل التخزين إلى ما تحتاجه لمدة 145 يوماً، وهى مدة كافية لمواجهة أى أزمة.. وكذلك لجأت إلى نفس الأسلوب اليابان، أكبر مستهلكى شرق آسيا، وكوريا الجنوبية.. رغم دخول الصين قائمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول.
ولكن كل ذلك لن يمنع ارتفاع أسعار البترول.. وهذا بالطبع فى مصلحة المنتجين والمصدرين الكبار، لأنه يعوضهم عما حدث فى الشهور الأخيرة من انهيار أسعار البترول من حوالى 120 دولاراً للبرميل إلى ما تحت 40 دولاراً.. حتى وإن كان ذلك ضد مصالح المستهلكين.. ومنهم مصر، لأن انخفاض الأسعار خفف الأعباء التى تتحملها فواتير هذا الاستيراد.
المهم.. هل تعمد إيران إلى محاولة خنق السعودية والإمارات والكويت بترولياً، ومالياً بتصعيد الأزمة الحالية، خصوصاً أن رفع الحظر الأمريكى والأوروبى عن الودائع المالية الإيرانية يسمح لإيران بأن تعيش دون حتى تصدير برميل واحد من بترولها للخارج.
حقاً القضية شائكة للغاية.. ومن الصعب التكهن بما يمكن أن يحدث فى الأيام المقبلة.. فى سوق البترول!!