أعجبتنى اللهجة القوية التى خاطبت بها السعودية العالم كله وهى تنفذ أحكاماً بالإعدام، فى حق 47 مواطناً أدانتهم المحكمة بارتكاب أعمال إرهاب.
ولم يعجبنى الاعتراض الإيرانى على تنفيذ الأحكام، فهو اعتراض فى غير محله، لأن المواطن المدان مواطن سعودى، والمحكمة التى حاكمته محكمة سعودية، والسلطة التى نفذت عليه الأحكام سلطة سعودية أيضاً، فما علاقة إيران، إذن، بالموضوع من أوله إلى آخره، اللهم إلا رغبتها التى لا تفارقها فى حشر أنفها فيما ليس من شأنها!
وأعجبنى أن تسارع الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بمجرد إحساسها بأن العاصمة الإيرانية قد تجاوزت حدودها فى تناول الأحكام.. لقد حرضت الحكومة فى إيران جموعاً من مواطنيها على إشعال النار فى مبنى السفارة السعودية، وفى مبنى القنصلية كذلك، وكان هذا، فى حد ذاته، تجاوزاً لا يمكن أن تقبله أى دولة فى حقها، ولا فى حق بعثتها الدبلوماسية، فجاء قرار قطع العلاقات ليوجه لطمة إلى مرشد الثورة الإيرانية خامنئى، وليقول له إن للدول حول إيران سيادة لابد من احترامها.
وأعجبنى أن تخاطب الرياض عواصم العالم كلها، لا طهران وحدها، فتقول إن الذين جرى تنفيذ الأحكام فى حقهم مواطنون، أى أنهم يحملون جنسية بلدهم لا جنسيات أخرى، وإن الذين يروجون كلاماً آخر عن أن إعدام بعضهم كان بسبب انتمائه الطائفى كاذبون.
ولم يعجبنى أن تبادر إيران بإبداء رد فعل عنيف، ومكشوف، وكأنها تثبت على نفسها، أمام العالم، أنها تمارس سياسة طائفية إزاء الدول المجاورة لها.. وإلا.. فما معنى أن تقيم الدنيا، ولا تقعدها، لمجرد أن قائمة الذين جرى إعدامهم تضم اسماً شيعياً، أو أكثر؟!.. هل اقتحمت سلطات الأمن السعودية بيوت هؤلاء الذين تعترض طهران على إعدامهم، وانتزعتهم منها، وقررت تنفيذ الأحكام فيهم دون ذنب، أم أنهم ارتكبوا أعمال عنف، ثم أحيلوا للمحكمة بعدها، وكان لها قرارها فيهم، بعد محاكمة دامت سنوات؟!
وأعجبنى أن تقول السعودية، وهى تقطع علاقاتها مع إيران، مساء أمس الأول، إنها لا ترغب فى التعامل مع دولة راعية للإرهاب.
ولم يعجبنى ألا تلتفت إيران إلى أن اعتراضها على تنفيذ أحكام على مدانين بارتكاب إرهاب سوف يضعها معهم فى سلة واحدة، بعد أن كان الرئيس الأمريكى نفسه قد اتهمها بالتهمة ذاتها، عندما قال فى، 15 يوليو الماضى، ما يلى نصاً: لا ثقة عندى فى القيادة الإيرانية، وأعرف أن الاتفاق النووى معها سوف يتيح لها مالاً أكثر، لصرفه على الإرهاب!
أعجبنى أن تذهب السعودية إلى صالح كيانها، كدولة، وصالح مواطنيها، من أقصر طريق، دون أن تلتفت، لحظة واحدة، إلى احتجاجات الذين يعترضون طريقها.. فمصالح الدول لا تعرف لغة العواطف، ولا تستسيغها!