بين إعدام «النمر» وسجن «بحيرى»

عبد الناصر سلامة الأحد 03-01-2016 21:33

أتعجب كثيراً، حينما أجد معترضين على سجن إسلام بحيرى، وهم فى الوقت نفسه، صامتون أو مؤيدون لإعدام رجل الدين الشيعى فى السعودية نمر باقر النمر، المحكمة المصرية رأت أن الأول يخوض فى الذات الإلٰهية بما لا يليق، والمحكمة السعودية رأت أن الثانى يخوض فى الذات الملكية بما لا يصح، الأول اتخذ من الدين مادة للسخرية، والثانى اتخذ من الحُكم السعودى مادة للنقد، الأول كان يجاهر بمآربه فى الفضائيات، الثانى اقتصر على المسجد الذى يلقى خطبة الجمعة فيه، الأول كان يعيش فى أحد فنادق الخمس نجوم، ولم يوضح مصدر التمويل، الثانى كان يعيش فى منزله بالمنطقة الشرقية.

كيف يمكن أن أتعاطف مع الأول، وأؤيد أو أصمت على إعدام الثانى، لا أدرى، هل لمجرد أن الأول سُنى، والثانى شيعى، أعتقد أنه مبرر غير مقبول، هل لأن العائلة المالكة فى السعودية خط أحمر، والمقدسات الإسلامية لا خطوط لها، هو أمر غريب وغير مقبول أيضاً، هل لأن آل سعود يجدون مَن يدافع عنهم، فى حين أن الأديان مستباحة تحت عنوان: تجديد الخطاب الدينى، وتحديث الخطاب الفسَكونى، أعتقد أنها طامة كبرى، هل يمكن اعتبار خطاب الأول تنويريا، وخطاب الثانى ظلاميا، مَن الذى يمكن أن يفصل فى ذلك؟

بالتأكيد، وفى ظل سياسة الرُز السعودية، لن نجد بين سياسيينا الرسميين مَن يستنكر ذلك، وأيضاً فى ظل الدعوات المجانية للحج والعمرة، لن نجد بين رجال الدين لدينا، أو حتى رجال الإعلام، إلا ما ندر، مَن يُعلّق على ذلك، وفى ظل النكسة الطائفية الحاصلة بالمنطقة الآن، لن نجد بين شعوبنا مَن يتوقف كثيراً أمام ذلك الذى يجرى، حيث إعدام 46 شخصاً (سنياً) آخرين بالتزامن مع إعدام رجل الدين الشيعى، إلا أن هؤلاء كانت قضاياهم وأحكامها بين أعوام 2003 و2006 بتهمة الإرهاب، والانتماء إلى تنظيم القاعدة، وكأن ذلك التزامن فى تنفيذ هذه الأحكام كان الهدف منه التغطية على إعدام «النمر».

المعروف أن طريق الأدباء لدينا تحديداً إلى جوائز نوبل، أو غيرها من الجوائز الدولية، يستدعى إما الخوض فى أمور الدين بازدراء، أو التقرب من إسرائيل بفجاجة، أو هما معاً، وقد خرج علينا أخيراً مَن ينكر وجود المسجد الأقصى، وقبله مَن ينكر الأحاديث النبوية، كما أن التقرب من البترودولار السعودى يستدعى الصمت على كل الآثام هناك، وتظل الشعوب فى حالة غليان من الممارسات الأولى، وعواصم أخرى تنتفض من الممارسات الثانية، بما يُعَجِّل من الصدام الحتمى فى المنطقة، وهو الأمر الذى كان يجب أن يجد مواجهة مبكرة، حتى لا تَنْجَرَّ الشعوب إلى أزمات من أى نوع، ولا العواصم إلى عداوات أكثر وأكثر.

أعتقد أن حالة الاستنفار الواضحة الآن، على المستويين الشعبى والرسمى فى إيران، جراء تنفيذ حكم الإعدام، والتى استخدمت على المستوى الرسمى تعبيراً غير مألوف: «سوف نقلب نهاركم ليلاً»، من السهل أن تلقى بظلالها على كل دول المنطقة فى أى لحظة، حتى فى الداخل السعودى، الذى بدأت بوادره بالفعل، وهو الأمر الذى كان يستدعى معه تدخل هذه الدول لدى النظام هناك، لاحتواء الأوضاع قبل تفاقمها، وذلك لأن نظرية «مسافة السكة» لن يكون تفعيلها مقبولاً بأى حال، فى ظل ممارسات تعمل طوال الوقت على تأجيج الأوضاع بالمنطقة، بدءاً من اليمن، ومروراً بالعراق وسوريا، وليس انتهاءً بإيران.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن المنطقة برمتها تعيش فوق صفيح ساخن، كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن المنطقة كلما ركنت إلى الهدوء خرج مَن يشعلها، بالتأكيد هذا الإشعال يأتى فى إطار مخطط عام، قادم من الخارج، وبالتأكيد فإن كل دولة حرّة فى سياساتها الداخلية، إلا أن هذه السياسات حينما تعود سلباً على كل دول المنطقة، فلابد من وقفة، وذلك لأن نيران الطائفية- كما هو واضح- لم تعد تستثنى أحداً، الكل يكتوى بها.

فلا خطاب التجديف البحيرى مقبول لدى الشعوب المسلمة ككل، ولا خطاب العنف الشيعى من «النمر» مناسب للمرحلة، الأول لم يجد استنكاراً رسمياً، كما الثانى لم يجد عقلانية فى التعامل معه، كانت النتيجة الطبيعية السجن هنا، والإعدام هناك، هو العقل العربى الذى لم يَسْتَفِدْ من أخطاء الماضى، هى السياسات العربية الداعمة طوال الوقت لحالة العنف وسفك الدماء، كما هى الشعوب التى تظل تسدد فاتورة أخطاء حكامها، من المحيط إلى الخليج، لا نستثنى منهم أحداً.