يسأل عدد من المصريين عما إذا كان من الممكن أن تندلع «ثورة جديدة» فى شهر يناير الجارى، ويُظهر بعض المسؤولين الكبار قدراً من الاهتمام بدعاوى للحشد والاحتجاج.
الرئيس نفسه، تحدث عشية ذكرى المولد النبوى، قائلاً إنه جاء إلى منصبه «بناء على رغبة الشعب»، ومتعهداً بالتنحى إذا «أراد الشعب ذلك»، ومستهجناً دعوات البعض لـ«ثورة جديدة».
يبدو أن أجهزة الدولة تتابع بدقة بعض المعالجات الإعلامية، التى تظهر خصوصاً فى منابر «إخوانية»، أو وسائط إعلامية تطلقها دول معادية، وتمعن فى إشاعة أجواء من الإحباط بين المصريين، وتحرضهم على «الثورة» من جديد ضد ما تسميه «الانقلاب».
إن متابعة السلطات القائمة فى مصر للمنابر الإعلامية المختلفة عمل جيد، كما أن رصد اتجاهات الرأى العام، وتحرى عوامل الاحتجاج والإحباط فيه مسألة ضرورية، إضافة إلى أن التحسب للإرهاصات الاحتجاجية وتطويق النزعات التحريضية شىء محمود، لكن الإفراط فى ذلك، والمغالاة فى تقييم أثره، يمكن أن يفضى إلى عواقب وخيمة.
يبدو أن السلطات، ومعها بعض المحللين وقطاعات من الجمهور، تغالى فى تقدير الدعوات إلى «ثورة جديدة فى ذكرى ثورة يناير»، ويبدو أيضاً أن تلك المغالاة يمكن أن «تُغرى بالنظام»، وتشجع مناوئيه.
ثمة ثلاثة عوامل يمكن الاستناد إليها لتبرير «المخاوف» من «ثورة جديدة»، أو احتمالات وقوع احتجاجات وأحداث عنف وفوضى فى ذكرى «ثورة يناير».
يتعلق العامل الأول بما تكشفه تحليلات التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعى؛ إذ تشير تلك التحليلات إلى موجة من التعبئة والدعوات المحرضة على «الثورة» من جديد.
يرتاح بعض الباحثين إلى الحسم بأن «مواقع التواصل الاجتماعى تلعب دوراً بارزاً فى إشعال الاحتجاجات التى تقوم بها جماعات المعارضة ضد الأنظمة»، لكن هذا الأمر يحتاج مراجعة ضرورية، إذ لا يمكن لهذه الوسائل أن تشعل ثورة وحدها، ولا يمكن لها أن تكون مؤثرة إلا فى ظل توافر عوامل موضوعية معينة.
العامل الثانى الذى يفسر مخاوف السلطة فى مصر يتعلق بتراجع الاقتصاد، وارتفاع الأسعار، فى وقت تحالفت فيه بعض الحظوظ السيئة ضد إدارة السيسى؛ حيث تكفل سقوط الطائرة فى سيناء بضرب قطاع السياحة، وأسهم تراجع أسعار النفط فى تقلص المساعدات الخليجية، وزادت الضغوط على العملة الوطنية.
ومع ذلك، فإن القطاعات الغالبة فى الجمهور ما زالت راغبة فى التحمل، ويبدو أنها متفقة على استمرار دعم النظام، فى ظل الحديث الدائم عن الأوضاع التى تشهدها بلدان مثل سوريا، وليبيا، والعراق.
يسخر ناشطون ومعارضون كثيراً من استخدام النظام ومناصريه ما اصطلح على تسميته «متلازمة سورية وليبيا والعراق»، ويعتبر هؤلاء المعارضون أن الحديث عن تلك الدول ليس سوى «فزاعة» المقصود بها «تخدير المواطنين»، وصرفهم عن المطالبة بالإصلاحات، لكن الواقع يكشف تحسب قطاعات مؤثرة من الجمهور من السقوط فى مستنقع الفوضى وخلق أوضاع شبيهة لتلك التى تعانيها هذه الدول.
تؤدى رغبة القطاعات الغالبة فى الجمهور فى الاستقرار وتفادى الفوضى إلى تعزيز الثقة فى الحكم.. وهى الثقة التى تنعكس «صبراً واصطفافاً»، وتقلص احتمالات الاحتجاج.
العامل الثالث الذى تستند إليه بعض التحليلات التى تتوقع «حشداً واحتجاجاً واسعاً يمكن أن يفضى إلى ثورة جديدة فى مصر»، يتمثل فى الاحتقان الذى يسود بعض القطاعات، وخصوصاً الشباب، بسبب ملف حقوق الإنسان، وهو احتقان يترافق مع حالة من الشعور بالإحباط وانسداد الأفق.
يطرح هذا الاحتقان خطورة معتبرة على حالة الاستقرار التى تنشدها مصر، لكنه لا يحظى بغطاء سياسى فاعل، ولا يتمتع بتفهم أو دعم شعبى واجتماعى كاف، وبالتالى، فإنه قد يصب فى خانة الاحتجاجات المحدودة، التى ستقوضها القوى الأمنية، وسيمتنع الجمهور عن دعمها.
لا تمر السلطة بأوقات طيبة، والتحديات التى تواجهها كبيرة، لكن ليس من بينها «ثورة جديدة فى يناير»، فما زالت القطاعات الغالبة فى الجمهور تؤيد هذا النظام، وتتفهم الصعوبات التى يواجهها، وتنتظر منه تحقيق وعوده.