هل هى صدفة، أن يدخل أسامة الأزهرى مجلس النواب فى اليوم الذى دخل فيه إسلام بحيرى، السجن؟!
إننى أذكر تماماً أن الأزهرى كان ضد بحيرى فيما كان يقوله، ويدعو إليه، وليس معنى هذا أنى أقول إن إسلام كان على حق، وإن الأزهرى كان على خطأ.. لا.. لا أقول بهذا أبداً، فلا أحد يحتكر الصواب، وإنما المفارقة التى استوقفتنى، والتى لابد أن تستوقف أى عاقل فى البلد، أن الذى كان يدعو إلى إعمال العقل فى أمورنا كلها، سواء كانت دينية، أو غير دينية، قد فقد حريته، وأن الذى كان ضده قد صار فى إمكانه أن يقول ما يشاء، تحت القبة!
إننى لم أكن أختلف مع إسلام بحيرى فى شىء سوى فى أسلوب تعبيره عما كان يريده، وأظن أنه لو كان قد اتبع أسلوباً مختلفاً، أقل حدة، وأكثر مرونة، لكان قد استمر فى دعوته، دون مشكلة، ولابد أنه كان أحوج الناس إلى أسلوب طه حسين، لا أسلوب العقاد.. فالأول كان يلف، ويدور، ليقول ما يشاء، ويمرر ما يحب من أفكار، ولكن الثانى كان حاداً مباشراً، ولذلك دخل السجن هو الآخر، عندما قال عبارته الشهيرة تحت قبة مجلس النواب، عام 1930، عن أنه مستعد لتحطيم أكبر رأس فى البلد إذا ما فكر صاحب هذا الرأس فى المساس بالدستور!.. وكان الرأس هو رأس الملك فؤاد، فقضى العقاد ثمانية أشهر فى الحبس!
ولم يكن بحيرى يختلف، فيما راح ينشره بين الناس، عما كان يقول به الأستاذ الإمام محمد عبده، فى نهاية القرن قبل الماضى، وأوائل القرن الماضى.. كان الأستاذ الإمام يقول بأن النص إذا تعارض مع العقل فإن علينا أن نأخذ بالثانى، ليس عن موقف منه، يرحمه الله، ضد النص، ولكن لأنه كان يقدس العقل، وكان يعرف أن الله تعالى قد خلق عقولنا لنستخدمها، ثم نوظفها فى صالح الإنسان، وليس فى أى شىء آخر.
وكان الأستاذ الإمام يدرك، تمام الإدراك، أن الله تعالى الذى وضع عقولنا فى رؤوسنا لا يمكن أن يبعث إلينا نصاً، فى قرآنه الكريم، يتصادم مع العقل، ولا يمكن أن يجعل لسان رسوله الكريم، عليه الصلاة والسلام، يجرى بما يصطدم مع العقل.. لا يمكن أبداً.. لأن خالق العقل هو نفسه الذى أنزل النص، وهو سبحانه أيضاً الذى أجرى على لسان الرسول أحاديثه الصحيحة، لتكون هادية لنا، ولتكون فى صف آدمية الإنسان بوجه عام، والمسلم بشكل خاص، فى القرن الأول الهجرى، ثم فى القرن الخامس عشر الهجرى، الحالى، والقرن الحادى والعشرين الميلادى، سواء بسواء، فإذا لم تكن كذلك، فالمشكلة قطعاً فى الذين نقلوها جيلاً بعد جيل، وصولاً إلينا، وليست المشكلة فينا، بأى حال.
حين أتأمل مآل إسلام، ومكان الأزهرى، فى اللحظة الراهنة، فإننى أقرأ فيهما أولويات مجتمع بامتياز!