صدام برلمانى بين الوفد ووزارة «اليد الحديدية»

كتب: ماهر حسن الجمعة 01-01-2016 19:22

فى 25 يونيو 1928 أقيلت وزارة النحاس، وعهد الملك لمحمد محمود باشا بتأليف وزارة جديدة «وزارة اليد الحديدية» وهى وزارة كان قوامها من الأحرار الدستوريين والاتحاديين ولم يكن يمثل هؤلاء فى مجلس النواب سوى 35 نائباً من مجموع 214 نائباً وهى رغم قوتها وزارة أقلية لكنها بحزبيها عادت للتآمر على الدستور كما فعلا عام 1925م وسرعان ما قامت هذه الوزارة بحل مجلس النواب والشيوخ معاً وعطلت الحياة الدستورية.

ففى اليوم التالى لتأليف الوزارة صدر مرسوم بتأجيل انعقاد البرلمان لمدة شهر وانصرف النواب هاتفين بحياة الدستور، وقرر النواب والشيوخ أن يجتمع المجلسان يوم 28 يوليو، ولم تكن فترة تأجيل انعقاد البرلمان تنقضى حتى استصدرت الوزارة أمراً ملكياً فى 19 يوليو 1928م بحل مجلس الشورى والنواب وتأجيل انتخاب المجلسين وتأجيل تعيين الأعضاء المقرر تعيينهم فى مجلس الشيوخ لمدة 3 سنوات وأشيع أن هذا تم بتواطؤ بريطانى وقوبل تعطيل الدستور بسخط عارم وواسع حتى إن الحزب الوطنى رغم ما كان بينه وبين الوفد، لم يسعه إلا الاحتجاج فأصدر بياناً يندد فيه بما حدث وظل الوفد يستثير روح المقاومة والمعارضة واندلعت المظاهرات واستطاعت الحكومة والجيش والبوليس احتواء الموقف، ودعا النحاس الأمة للنضال من أجل الدستور، وأصدر بياناً فى 22 يوليو 1928، وقرر الشيوخ والنواب أن يجتمعوا بهيئتهم فى دار البرلمان يوم 28 يوليو 1928م. كان ذلك القرار قد تمخض عنه اجتماع عقدوه فى النادى السعدى يوم 24 يوليو، وكانت الحكومة قد أغلقت أبواب قاعتى مجلس النواب والشيوخ وختمتها بالشمع الأحمر وتسلمت مفاتيحها لمنع اجتماع المجلسين، فاتفق الشيوخ والنواب على أن يطلب ويصا واصف، رئيس مجلس النواب ومحمود بسيونى، رئيس مجلس الشيوخ، من وزير الداخلية، والذى هو محمد محمود رئيس الوزراء أيضاً، تسليمها مفاتيح البرلمان وفك الشمع عن أبوابه وكتب كلاهما إليه.

وكان جواب الوزارة على هذين الخطابين أن حشدت جنود الجيش ورجال البوليس واتخذت كل الوسائل لمنع اجتماع المجلسين وأقفلت جميع الطرق المؤدية إليها وبثت العيون على المكان الذى يختاره أعضاء البرلمان للاجتماع فيه عنهم لكنها لم تهتد إليه واستطاع الأعضاء أن يجتمعوا فى المكان الذى اختاروه وهو دار مراد بك الشريعى بشارع محمد على رقم 93، وكان اجتماعاً تاريخياً وقرروا أن البرلمان قائم وكان الاجتماع برئاسة ويصا واصف ومجلس الشيوخ برئاسة محمود بسيونى وأصدر النواب قراراً تاريخياً يشرف تاريخ الحياة النيابية فى مصر، بأن البرلمان قائم بحكم الدستور وأن المجلسين سحبا الثقة من الوزارة، وأن كل تشريع تصدره الوزارة باطلاً، غير أن وزارة محمد محمود لم تأبه بالأمر ومضت فى الحكم وعمدت إلى تقييد الحريات وسياسة الاضطهاد باليد الحديدية ومنعت اجتماع المعارضة وبطشت بالمعارضين وعطلت صحفها وألفت رخصة مائة صحيفة ونسبت الاتهامات إلى بعض البرلمانيين وهى تهم لمن تثبت صحتها وتم رفع العرائض إلى الملك، طالبة إعادة الحياة الدستورية، وجاءت وفود إلى القصر الملكى لتقديمها فكان البولى يحول بينها وبين القصر، واشتبك البوليس فى ساحة عابدين بفريق من النواب والشيوخ لمنعهم من دخوله، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح وعاد النواب والشيوخ للاجتماع فى 17 نوفمبر 1928م بجريدة البلاغ وبلغ عدد الحاضرين منهم 125 نائباً، ولأن هذا كان أول اجتماع لدولة برلمانية جديدة فقد تم انتخاب ويصا واصف رئيساً للمجلس، ومما طالبوا به أن تسحب الحكومة قواتها التى تحاصر البرلمان، وحظرت الحكومة على الصحف نشر هذا القرار أو أى نبأ عن اجتماع المجلس لكن الجمهور علم به من نشرات سرية تم توزيعها، وبعد أن أجريت الانتخابات فى بريطانيا فى مايو عام 1929 وفاز العمال بالأغلبية واستقالت وزارة المحافظين، وكان أول عمل لوزارة العمال حيال سياستها فى مصر أن أقالت اللورد جورج لويد وبدأت مباحثات بين محمد محمود باشا وزير الخارجية فى مجلس العموم البريطانى «أرثر هندرسون»، حينما كان محمد محمود هناك ليحصل على الدكتوراه الفخرية من أكسفورد، وكانت المباحثات حول مسألة إلغاء الامتيازات الأجنبية ثم علاقة مصر بإنجلترا وأسفرت المباحثات عن مشروع معاهدة، لكن المعاهدة لم تحقق سوى حقيقة استقلال منقوص وشروط يقضى ببقاء القوات البريطانية فى مصر واستمرار انفصال السودان، وأبدى محمود محمود استقلالا لعرض الأمر على مجلس النواب المصرى الذى أوقف انعقاده وبعد خطابات ومقترحات متبادلة بين هندرسون ومحمود، وأعلن محمد محمود نصوص المشروع، علق الوفد النظر فيها لحين عودة الحياة الدستورية لكى تقول الأمة كلمتها فى البرلمان ثم وصل السير برسى لورين المندوب السامى البريطانى الجديد إلى الإسكندرية فى سبتمبر 1929، وكانت الضجة بلغت أوجها فى مصر على مشروع محمد محمود - هندرسون، وطريقة عرضه على الأمة فالوفد متمسك بعودة الحياة الدستورية شرطاً للنظر فى الموضوع، والوزارة ترجو أن ينظر الوفد فى المشروع وهى قائمة فى الحكم، ورأت أنه لكى تجرى حياة دستورية عليها أن تجرى هى الانتخابات ورفض الوفد وطالب باستقالة الحكومة تجنباً للعبث بإرادة الناخبين وطالب بتأليف وزارة محايدة تكفل حرية ونزاهة الانتخابات وتمسك الوفد أيضاً بأن تجرى الانتخابات على درجة واحدة لا درجتين.

وقبلت الحكومة البريطانية شروط الوفد وكان معنى ذلك سقوط وزارة محمد محمود وتأليف وزارة جديدة، وهذا ما حدث بالفعل، حيث قدم محمد محمود استقالته فى الثانى من أكتوبر 1929م وقبلها الملك فى نفس اليوم وعهد إلى عدلى يكن بتأليف الوزارة الجديدة وكان أهم عمل لهذه الوزارة أن أعادت الحياة الدستورية وأجرت انتخابات عامة وخالية من أى ضغط حكومى، واعتبرت هذه الحكومة حكومة انتقالية وكانت الوزارة الثالثة لعدلى يكن وعادت الحياة الدستورية فى 31 أكتوبر 1929م وتضمن المرسوم إجراء انتخابات مجلس النواب والشيوخ ليعود للانعقاد فى 11 يناير 1930.

وفى 2 نوفمبر 1929 تم فض الأختام التى كانت موضوعة على أبواب البرلمان منذ يوليو 1928 وتم تسليم مفاتيحه لسكرتير مجلس الشيوخ وجرت الانتخابات فى موعدها وحظى الوفد بفوز ساحق وقاطعها الأحرار الدستوريون، فيما دخلها الحزب الوطنى، ونال الوفد 212 مقعداً من 235 ونال الوطنى خمسة مقاعد وحزب الاتحاد ثلاثة والباقون مستقلون. وبعد الانتخابات فى 31 ديسمبر 1929 قدم عدلى استقالته بعدما رأى أنه أنجز مهمته فى إعادة الحياة الدستورية.

وتم افتتاح البرلمان فى 11 يناير سنة 1930 وكان البرلمان الرابع منذ بداية النظام الدستورى عام 1924م وانتخب مجلس النواب ويصا واصف، رئيساً لمجلس النواب، وفى 6 فبراير 1930 بدأت مفاوضات النحاس – هندرسون وسافر الوفد للمفاوضات وهاجمها خصوم الوفد ودبر الأحرار الدستوريون لإسقاط وزارة النحاس، وكان لهم ما أرادوا واستقالت الوزارة بعد ستة أشهر تحديداً فى 17 يونيو 1930 وعهد الملك بتأليف وزارة جديدة لإسماعيل صدقى باشا، ثعلب السياسة المصرية والخصم الأول للدستور.