رغم كآبة المصير الذى ينتظر الأهلى بعد أن يوقِّع وزير الشباب والرياضة، المهندس خالد عبدالعزيز، على القرار (العار) بتعطيل الديمقراطية وحل المجلس المنتخب، معلناً ميلاد عصر جديد فى تاريخ هذا النادى العريق بسحب إرادة جمعيته العمومية ونقلها إلى الحكومة لتعيِّن مجلساً جديداً، ورغم سوداوية الانتقام التى أراها فى تصريحات وأقوال الشامتين، وأغلبهم من أبناء الأهلى، الذين فرحوا بقرار المحكمة الإدارية بحل المجلس أكثر من فرحتهم بالفوز ببطولة أو تحقيق إنجاز.. إلا أننى شاهدت وسط هذا الظلام طاقة نور قادمة من الماضى الجميل التى كانت تعلو فيها مصلحة النادى على مصلحة الأشخاص وخلافاتهم ومشاكلهم..عندما شاهدت الكابتن طارق سليم وهو على مقعده المتحرك بعد أن أقعده المرض وشلَّ حركته ولسانه، وتملك من أغلب أعضائه، ليذهب دون طلب أو دعوة فى اليوم التالى لصدور حكم القضاء الإدارى بإيقاف الشرعية والديمقراطية إلى تدريب الفريق ليعلن وهو الذى لا يتكلم رفضه سلب إرادة النادى، وتدخل الدولة فى شؤونه وحريته ليشعل حماس اللاعبين والجهاز الفنى الذى كاد يقتلهم القلق والخوف من مستقبل غير مستقر.
الكابتن طارق سليم الذى لا يريد ناقة أو جملاً من الأهلى، وربما من الدنيا كلها، فضح دون أن يقصد مجموعة من النجوم (الفالصو) والأبناء الجاحدين الذين لم يعطفوا على ناديهم وتاريخه وديمقراطيته، ولو بالصمت، بل أخرجوا السكاكين ليذبحوه ويحرضوا الدولة على سرعة تنفيذ الحكم وحل المجلس حتى يأتى من يسوقونه، ويوزع عليهم العطايا والمناصب، فطمعهم أو كرههم أو غضبهم أو رغبتهم فى الانتقام من المجلس الحالى، أعماهم عن رؤية الدوامة التى سيدخلها الأهلى إذا فُرض عليه هذا المصير الأسود الذى أبعد الزمالك عشر سنوات من البطولات، كان فيه النادى وأعضاؤه وجماهيره وإدارته منشغلين بالمحاكم والمجالس المعينة واللجان المؤقتة، تاركين الأهلى يصول ويجول باستقراره وهدوئه وخوف الدولة من الاقتراب من إرادة أعضائه فى إحراز الألقاب والتتويج بالأرقام القياسية، أما الآن وبدلاً من أن يدافع أبناء الأهلى أو محبوه أو هؤلاء الذين كانوا يخرجون فى المظاهرات ويشقون صدورهم ويتوعدون كل من يقترب من إرادة ناديهم، هم أنفسهم الذين يتبارون فى الدعوة لحل المجلس ويهددون الوزير إذا لم يتدخل كى يخلصهم من رئيسه (العازف عن المنصب) وأعضائه الذين جاءوا بإرادة كاسحة وأغلبية ساحقة من الجمعية العمومية، مستندين على فشلهم فى إحراز بطولة أو اثنتين متعامين عن إنجازات أخرى كثيرة وكبيرة، واستقرار بدأ يتحقق لفريق الكرة، وبدلاً من مساندته ليعود للبطولات وجدوا فى حكم المحكمة فرصة للإجهاز عليه.
قبل أن نبحث عن الحل لهذه المعضلة والأزمة التى قد تعصف بالأهلى لسنوات، وتسن سُنَّة غير حميدة لعقود، من المهم الإجابة عن هذا السؤال: من المسؤول عن هذه الورطة؟ ما الجريمة التى ارتكبها أعضاء الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة حتى يتم عقابهم وسحلهم والتشهير بهم وتدمير النادى لسنوات لا يعلم عددها إلا الله؟
الإجابة عن هذا السؤال الذى يهرب الجميع منه تأتى فى حيثيات الحكم وتقرير هيئة المفوضين، الذى أشار إلى جهتين لا ثالثة لهما،
الأولى وزارة الشباب والرياضة التى لم تطبق صحيح القواعد الإدارية (لاحظ الإدارية) فى الدعوة للانتخابات، والثانية هى مجلس الكابتن حسن حمدى الذى تباطأ هو الآخر فى تنفيذ الإجراءات (الإدارية) وفقاً للمواعيد المحددة، فالمشكلة كلها إدارية، حيث لم توثر هذه الأخطاء على حرية الأعضاء فى التصويت الحر المباشر، أو منع تحقيق إرادتهم التى جاءت بأغلبية ساحقة للمهندس محمود طاهر، مما يقتل الشك باليقين فى أى أخطاء كان يمكن أن تغلب منافساً على الآخر.
ووفقاً للمنطق والعقل وحيثيات الحكم كان يجب معاقبة الطرف المخطئ، وهو وزارة الشباب والرياضة، والمجلس السابق، بينما ما حدث على أرض الواقع هو العكس، حيث يعاقب الطرف البرىء الذى لم يرتكب أى ذنب، وهو أعضاء الجمعية العمومية، ومجلس الإدارة، وقبلهم النادى بتاريخه وقواعده الراسخة، والأدهى من ذلك أن وزير الشباب والرياضة (المخطئ وفقاً لحيثيات المحكمة) هو المنوط به توقيع العقاب على البرىء.. هذا هو العدل الذى يحكم به أكبر وأعرق الأندية المصرية والعربية بعد ثورتين كنا نبحث فيهما عن الديمقراطية والحرية فجاءتا بالنكبة على الأهلى، المؤسسة الوحيدة التى كانت تمارس الديمقراطية بحرية، وقت أن كانت مصر يحكمها الحزب الواحد، وحتى أقرب لكم المثال تخيلوا مثلاً أن الرئيس السيسى الذى جاء بأغلبية كاسحة لا تشوبها شائبة، ولو أعيدت الانتخابات لجاء بنفس الأغلبية إن لم يكن أكثر، يُستبعد من على مقعده ويترك الرئاسة ونعود للمربع صفر، لأن اللجنة المشرفة على الانتخابات ارتكبت أخطاء إدارية فى الدعوة للانتخابات أو فى موعد تعليق أوراق المرشحين، وحتى أقرب الصورة أكثر وأكثر فإن اللجنة المشرفة على الانتخابات التى أوقعتنا فى هذه المشكلة، وأهدرت وقتنا، وأبعدت رئيساً شرعياً انتخبناه بكامل إرادتنا هى المنوط بها تعيين رئيس مؤقت لحين انتخاب رئيس جديد.. لندخل فى دوامة تعطيل الدولة ومصالحها وتتوقف حياتنا شهوراً وسنوات، لأن موظفاً لم يقم بدوره كما يجب أن يكون.
وحتى يكتمل المشهد العبثى ويتملك الحاقدون والكارهون والمتربصون والمنتقمون من فريستهم فإننى أدعو وزير الشباب والرياضة (أعانه الله على مصيبته ونجَّاه من حيرته)، وهو يوقع على القرار العار الذى سيُكتب بحروف سوداء فى تاريخ لن ينسى أن وزيراً زملكاوياً هو أول من أصدر قرار حل الأهلى، إلى أن يختار مجلساً يضم كوكبة من رموز النادى المشتاقين والمغرمين والطامعين فى المقعد، يتقدمهم محمود الخطيب والعامرى فاروق وشوبير وخالد مرتجى وعدلى القيعى وربيع ياسين ومصطفى يونس ومجدى عبدالغنى وعلاء عبدالصادق وأحمد سعيد والكفراوى وإبراهيم المنيسى (عذراً إذا لم تسعفنى الذاكرة برموز غيرهم).
ونأتى إلى صديقى العزيز، المحترم، المهذب، الراقى، الصادق، المترفع المهندس محمود طاهر الذى جاء فى الزمن الخطأ، وأدعو أن تكون هذه الأزمة هى خاتمة أيامه فى الأهلى، فهو بترفعه عن التمسك بالمنصب وعدم تكالبه على البقاء ورغبته الصادقة فى طرح الثقة فى نفسه ومجلسه حتى ينجِّى النادى من عثرته وثباته فى مواجهة هذه الحملة المفزعة، المقذعة التى وصلت للتشهير بحياته الخاصة، أعطى دليلاً جديداً على قوة شخصيته وإصراره على تحمل المسؤولية وحبه للأهلى واحترامه لمن انتخبوه، فهو يرفض أن ينجو بنفسه وراحته الشخصية والإنسانية، كما يطلب المقربون منه (وأنا منهم) فيغرق الأهلى.