بهلوانات الثورة ..وصمت النظام

مي عزام الإثنين 28-12-2015 22:17

كنا نتصور ان المنافسة الإنتخابية ستنتهى بإعلان النتائج، بعدها سيهدأ الجميع لتبدأ مصر صفحة جديدة من الممارسة الديموقراطية الحقيقية عبر برلمان يلائم مصر الثورة، ولكن هذا التهافت والتلاسن بين عدد من كبير من الأعضاء المنتخبين يجعل كل أمل في برلمان يحقق للشعب مطالبه هو صرح من الخيال، البرلمان القادم هو فرصة لنيل أكبر قطعة من كعكعة المصالح، فهو طبقا للدستور له دور في أختيار رئيس الوزراء كما ان له الحق في سحب الثقة من الحكومة .
على الهواء مباشرة نتابع التلاسن بين جبهة إعلامى 30 يونيو ومؤيدها، يخرج علينا كل يوم من يهدد بأن لديه مايخرس به الآخر، يبدو الأمر وكأنه مسرحية عبثية ،ما ان ينتهى فصل العراك حتى يبدأ فصل التصالح بصورة تجمع الفرقاء مبتسمين في منزل مستشار سيديهات الفضائح ،ولا أحد يطلعنا على ماحدث في الكواليس والغرف المغلقة.
ولأنها مسرحية هزلية فلابد ان يكون بها مفاجآت، «بهلوان ثورة 25 يناير»توفيق عكاشة على حد وصف والتر أرمبروست ،أستاذ الأنثربولجى ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة اوكسفورد في كتابه الذي سيصدر قريبا، قدم لنا عبر مداخلة تليفونية مع يوسف الحسينى على قناة أون تى في مفاجأة جديدة،الخبثاء يهمسون ان ظهوره له علاقة بتوافق الرؤى بين ساويرس وعكاشة بالنسبة إلى ائتلاف دعم الدولة .
عكاشة الذي وصف نفسه بمفجر ثورة 30 يونيو وهو نفس ادعاء الفنانة إلهام شاهين، والذى تحدث طويلا عن المؤامرات العالمية على مصر ،يشكوالآن من تآمربعض اجهزة الدولة عليه، مصر التي كرس نفسه لخدمتها والزود عنها يسعى الآن للهجرة منها والسبب: ان البلد لا أمل في إصلاحها ،عكاشة تحول لناقم على النظام ،يتحدث مثل قادة الإخوان الهاربين الذين طالما هاجمهم في برنامجه.
للأسف بعد ثوريتين مازالت الأحزاب والائتلافات في مصر تلعب في السياسة على الطريقة القديمة وبنفس أدواتها، صحف وفضائيات تعمل لحساب النخبة المالية والسياسية، في محاولة للسيطرة على الشعب وضمان نسبة أكبر من المكانة والهيمنة و«ربط دماغ» الناس، وتسعى هذه النخبة المستبدة إلى نوع من البلبلة وتضليل الشعب، لضمان عدم توحده وانطلاقه في مسار رئيسي، وهو ما يعبر عنه المفكر البرازيلي باولو فريري بتحول الإعلام إلى أداة للقهر، تستخدمه النخبة الفاسدة من أجل تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة، وهو ما نشاهده بوضوح في اختراع أزمات وقضايا تشغل الناس على طريقة الحاخام والخنزير.
وهو ما شرحه أستاذ علم الاتصال الأمريكي هربرت شيللر في كتابه «مديرو العقول» الذي أثبت فيه أن القائمين على الإعلام يضخون الصور والمعلومات التي تساعدهم على إحكام السيطرة علينا وتوجيهنا، وهذا التضليل يؤدي إلى حالة من الارتباك، وبدلاً من المضي في مسار محدد للثورة يدخلنا في متاهات متشعبة ومعارك صغيرة بعيدة عن الأهداف الرئيسية، فالثورة لم تقم لنقص في وسائل الإعلام أو الأحزاب ولكن من أجل «العيش بكرامة وإنسانية وعدالة اجتماعية».
وهكذا ينقلب نواب الشعب ضد مصالح الجموع ويلعب كل منهم لحساب مصالحه الفردية، وتتحول الديمقراطية من كونها أسلوب حياة إلى مجرد حلية أو فاترينة أنيقة يباع بسببها الكثير من السلع سيئة الصنع والسمعة، وتتيح الفرصة لأصحاب المصالح و«اللوبيهات» للتحكم من خلف ستار حرية التعبير في عقول الشعب ووعيه، خاصة أن ثورة يناير ثم يونيو أدت إلى تغير سريع في تركيبة «الطبقات المهيمنة»، وأدت لإعادة توزيع الأدوار بين الحكام والمحكومين، بحيث يمكننا أن نرى «متلقي الأوامر» في زمن سابق هو الذي يصدر الأوامر الآن، فهناك أشخاص وفئات تغير موقعها على رقعة الشطرنج في نوع من الانتهازية الجديدة، وهناك من يمارس نفس أخطاء النظام القديم، لكن بعد أن تم تلوينها بشعارات زائفة عن حب مصر والانتماء إليها.
الأمر واضح ولكن الغريب هو سكوت النظام عن الاتهامات التي توجه إليه ...فمتى يخرج النظام عن صمته ويواجه بهلوانات الثورة ويخلصنا منهم؟.
EKTEBLY@HOTMAIL.COM