كل عام وأنتم بخير، ليس فقط لأن هذه عادة البشر بين عام أفل، وآخر قادم، ولكن لأن الوعد بألا ينتهى العام إلا ويكون لدينا مجلس للتشريع، والذى منه، قد تحقق. وحتى لا يكون الموضوع كله شكليا، فإن أعضاء المجلس عليهم ـ كما يقال ـ أن يهبطوا على العمل النيابى مثل رجال المظلات، وهو أن يبدأوا الجرى، أى الحركة وأداء المهمة، بمجرد ملامستهم لأرض مجلس النواب. وللحق فإن هناك من الأمور الإجرائية والشكلية التى قد تضيع وقت المجلس، ولكنها سوف تحتاج إلى مقال آخر، وما سيجرى تناوله هنا هو أن النائب سوف تتوالى عليه موجات الإحباط. لا أقول هنا بسبب تصرفات نواب آخرين، أو لأن الإعلام سوف يجد صيدا سهلا فى المجلس لأن من فيه سوف يسأل بعد أسبوع من عقد الجلسة الأولى: ماذا فعل المجلس حتى الآن من «إنجازات»!. ولكن بسبب أنه ما إن تبدأ عجلة العمل فى الدوران فإن كل الاقتراحات التى سوف تطرح من النائب المحترم سوف يتم الرد عليها فورا بأنه لا توجد موارد كافية؟!.. ومن الجائز أن ذلك لن يأتى فقط من الحكومة، وإنما أيضا من زملاء نواب قرروا دعم مصر بترديد ما تفكر فيه الحكومة!.
الموارد، والمالية منها خاصة، هى الموضوع، فما لم تكن متاحة بالدولار، أو بالجنيه المصرى، أو بأى عملات أخرى، فإن هناك القليل الذى يمكن عمله. الحكومة من جانبها تعرف هذه المشكلة جيدا، ولذا فإنها قررت زيادة موارد الدولة بالاقتراض من المؤسسات الدولية: البنك الدولى، صندوق النقد الدولى، بنك التنمية الأفريقى، بنك التنمية الأوروبى، صناديق التنمية العربية. لا نعرف على وجه التحديد إجمالى ما سوف نحصل عليه، ولا ما هو الجدول الزمنى لها، ولكن أيا كانت فإنها سوف تضيف موارد ربما تصل إلى ٥ مليارات دولار، تضاف للدين الخارجى. وأخذا ظروف مصر الحالية فى الاعتبار فالمرجح أن هذه خطوة حميدة لعدد من السنوات، سوف تتحول إلى خطوة خبيثة إذا ما حل موعد سداد الدين، ولم يكن الاقتصاد قد خرج من عثراته، واستأنف النمو بمعدلات تسدد الدين فى الخارج، وتدعم التنمية فى الداخل.
خمسة مليارات دولار لن تحل مشكلات مصر العويصة، ولذا فإن عليها بمساندة من مجلس النواب أن تبحث عن موارد جديدة حتى تمول المشروعات القومية العملاقة، وتعطى دفعة أو دفعات لتحفيز الاقتصاد على النمو، وتقوم بتجديد وتحديث القوات المسلحة. حتى الآن فإن الحكومة، والسلطة التنفيذية فى عمومها، لم تجد موارد جديدة إلا فى القروض، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالنفط والغاز التى تعطينا منح توقيع فضلا عن حصة من الإنتاج، وهو اتجاه محمود أيضا ولكنه غير كاف ليس فقط لأن الفارق الزمنى بين التوقيع والإنتاج يتراوح بين عامين وثلاثة؛ وإنما أيضا لأن قطاع الطاقة فى مصر يحتاج إلى كثير من الاستثمارات المباشرة.
لا يوجد فيما سبق ما يشوب أو يدعو إلى التساؤل فى حدود العلم، ولكن ما يدفع إلى دفع أول الأسئلة فى مجلس النواب أو حتى طلب إحاطة (الاستجواب ربما يأتى فيما بعد!) هو ما الذى جرى حقا فى موضوع أرض «بيت الوطن». المسألة هنا أن بيع الأرض بات محتملا من أهم موارد الدولة، وعندما طلبت الحكومة المصرية من المصريين فى الخارج الشراء بالعملة الصعبة، قاموا بتغطيات جميع القطع المعرضة فى شرق القاهرة خلال أيام. لم تقم الحكومة بواجباتها بعد ذلك، فلا هى أعطت صكوكا بالملكية، ولا هى دفعت بالبنية الأساسية إلى التنفيذ، انتهى الأمر كله إلى تجميد جماعة من المصريين لأموالها فى مشروع بدأ نموذجا لتوفير موارد طائلة للدولة. ولكن الحكومة لم تكتف بذلك، فرغم ما هو معروف من غضب لدى المصريين فى الخارج، فإن الحكومة طرحت مرحلة جديدة للبيع، فكانت الحصيلة من الضآلة بحيث أعلن السيد وزير الإسكان قيمتها بالجنيه المصرى حتى يبدو ما تحقق كبيرا؛ بينما كان فى الحقيقة تراجعا كبيرا فى الأموال والمصداقية. (ملاحظة للسادة النواب: كن دائما يقظا لمسألة الأرقام هذه، وراجع ما إذا كانت بالعملة الأجنبية أو بالجنيه المصرى فهناك فى هذه المنطقة وسائل خداع كثيرة!).
فى دولة يكون فيها ٩٢٪ من الأرض غير مأهولة لا تعرف العمران، فإن اعتبارها «فقيرة» يجعل المسؤولين عنها، مواطنين وحكاما، موضع حساب عسير يوم القيامة. وعرض هذه الأرض للاستثمار، والدخول فى دائرة الاقتصاد الوطنى، هو من قبيل الجهد المشكور الذى يكون نجاحه مقدمة لاستخدام أمثل للأرض لجذب الموارد من ناحية، والتنمية من ناحية أخرى. هنا ترد فكرة تأتى بالكثير من الموارد سبق طرحها ولكن لا بأس من طرحها مرة أخرى للسادة النواب حتى لا يقول لهم أحد إنه لا توجد موارد. ففى خلال الأيام القليلة الماضية احتفلت دولة الكويت بمشروعها الخاص بتنمية جزيرتين قبالة الشواطئ الكويتية من خلال إشهارهما كمناطق حرة، تماما كما هو الحال فى أبوظبى ودبى. هذه الأخيرة ذاتها، تروج الآن من خلال إعلانات على شبكة السى.إن.إن عن جزيرة «الديرة» بنفس المفهوم الذى بات يقدم أكثر من ٨٪ من الناتج المحلى للإمارة. ماذا لو علمنا أن مصر لديها ١٥٥ جزيرة فى النيل، و٨١ جزيرة فى البحر الأحمر قبالة الشواطئ المصرية. للعلم فإن مصر حصلت على مليارات الدولارات من منح شركات التليفون حق الاستخدام فى مجال الاتصالات فى مصر، فماذا سوف يكون عليه قدر المليارات التى سوف تحصل عليها مصر عندما تعطى حق الانتفاع فى بعض من هذه الجزر لعلها تخلق نموذجا مثل جزيرتى الزمالك والمنيل فى النيل، والديرة فى دبى.
هذا عن الجزر، ماذا عن الشواطئ، ولدينا أيضا تجربة فى مدينة مرسى علم التى تولتها شركة كويتية أحيت ما كان ميتا، لكى تكون الآن أكثر المدن المصرية السياحية نشاطا حتى بعد انهيار السياحة المصرية فى أعقاب حادث الطائرة الروسية. القضية ببساطة هى أن لدينا أرضا كثيرة، وكما يبدو مبشرا باستغلال أراضى منطقة عين السخنة، فإن الساحل الشمالى لا يزال أرضا بكرا، المهم أن نعرف ماذا ينجح فنزيد منه، وماذا يفشل فنتوقف عنه. فمن المدهش رغم حالات النجاح المشار إليها أن يتعثر ما عرف بمشروع العاصمة الإدارية (موضوع لسؤال من نائب محترم) ومشروع مدينة العلمين (موضوع لسؤال آخر). وحتى لا يحبط أحد فإن الأرض لا تصير استثمارا ما لم تأت لها البنية الأساسية، والواضح للقاصى والدانى، أن مشروع الطرق القومية يجرى على قدم وساق. هذه الطرق سوف تغطى تكاليفها وتورد موارد هائلة إذا ما فتحنا جانبى كل طريق للاستثمار بأشكاله المختلفة فترد للدولة موارد مختلفة تغنيها عن الاقتراض، أو على الأقل تجعلها تسدد الأقساط حينما حل وقتها.
بقى مجال آخر يجلب الموارد ربما يجده أحد النواب مفيدا وهو الخاص باللاجئين الأجانب فى مصر والذين عددهم خمسة ملايين نسمة، معظمهم من العرب، وأقلية من الأفارقة. مليون من هؤلاء يمكن إعطاؤه الجنسية المصرية مقابل ١٠ آلاف دولار. فمن ناحية فإنه لا يوجد ما يشير إلى أنهم سوف يعودون إلى بلادهم فى المستقبل القريب أو حتى البعيد، وهم يتقاسمون معنا البنية الأساسية والمدارس، وبعضهم العمل، والبعض الآخر الاستثمارات، وكثيرون منهم يعيشون فى مناطق ثرية أو مناطق الطبقة الوسطى. هنا فإن عشرة مليارات من الدولارات، أو ١٠٠ مليار جنيه، تزيد عن حجم الاستثمار الذى تم فى مشروع قناة السويس، وهو ضعف ما سوف نحصل عليه من قروض خارجية. بالطبع فإن الأمر يحتاج الدراسة من الناحية الأمنية، وتفاصيل الحصول عمن هم أفضل من يحمل الجنسية المصرية. وفى النهاية فإن ذلك كله مقدمة صغيرة لموارد كثيرة، متاحة، وممكنة.