أصبح لدينا الآن برلمان منتخب. تم إنجاز خارطة الطريق. خالص التهانى مع التمنيات المخلصة بالنجاح الذى تعريفُه أن تصبح مصر أفضل مما هى عليه الآن. المسألة صعبة، ليس فقط لأن هناك من يريد هدم ما تحقق من اقتراب ديمقراطى، وبدلاً من تجاوز الماضى فإنه يستدعيه لكى يكون حاضراً بنفس الطريقة من البهلوانيات السياسية. ولكن المؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه [اللهم إلا على حد قول كارل ماركس إن الشخصيات (وربما أيضاً الأحداث) تظهر فى التاريخ مرة على سبيل التراجيديا، وعندما تظهر مرة أخرى فإنها تكون على سبيل المسخرة]. ما علينا، ففى الفم ماء كثير!. فحتى الانتخابات البرلمانية فإن الشعب المصرى كان ينتظر ما سوف يفعله أولاً الرئيس عبدالفتاح السيسى، وثانياً، وفى مكانة متأخرة، فإنه سوف ينتظر ماذا تفعل الحكومة.
الآن أصبح لدينا مجلس للنواب، وسوف ينتظر المواطنون منه تحقيق الهدف الأسمى الذى تمت الإشارة له عاليه. وعلينا أن نعترف بأن نائب البرلمان سوف يواجه معضلة كبرى، فهو من ناحية ممثل للأمة، ولكن الأمة مريضة، ومشاكلها لا تعد ولا تحصى. وهو من ناحية أخرى ممثل لدائرته، ومن انتخبوه فعلوا ذلك لأنهم يعتقدون أنه يستطيع حل مشاكل الدائرة. لن يعفيه القول إنه جاء إلى المجلس الموقر لكى يمثل مصر كلها ويحل مشاكلها بالتشريع والمراقبة، فتلك سوف تكون الوصفة التى تجعل هذه الدورة البرلمانية آخر الدورات التى يشارك فيها.
دليل النائب الذكى للعمل فى مجلس النواب هو أن تكون لديه أولويات، التى هى وسيلة للنزول بالمعضلات الوطنية من دائرة الأحلام والكوابيس، إلى دائرة الإمكانية العقلية للتفكير. سوف أقترح على النائب المحترم- الذى يهتم بالموضوع بالطبع- ثلاث أولويات، أو أهداف ربما تُخرجه من هذه الحيرة المروعة. الأول: تحقيق التقدم لمصر، أى يكون غدها أفضل من حاضرها، وبالتأكيد أفضل من ماضيها، القريب على الأقل. الثانى: تحقيق التوازن الاقتصادى والمالى للدولة المصرية. الثالث: تحقيق زيادة ملموسة فى مستوى المعيشة للمصريين. هذه ثلاثة عناوين يمكن تجميع كل المشكلات والمعضلات، وأحياناً المصائب المصرية تحتها، وبالنسبة للنائب فإن باستطاعته أن يضع قضايا دائرته تحتها. الأمر كله بالطبع يحتاج تفاصيل كثيرة.
جوهر تقدُّم مصر أن تحقق معدلات نمو عالية، وحالياً فى عام ٢٠١٤/٢٠١٥ كان المعدل يزيد قليلاً على ٤٪. السلطة التنفيذية تطرح أنها تستطيع، أو ستحاول أن تصل إلى ٥٪. سيادة النائب المحترم عليه أن يدفع فى اتجاه ٧٪، لأن ذلك وحده الذى سوف يقربنا مما كنا عليه قبل ثورة يناير المباركة. لاحظ سيدى النائب أنه سوف يوجد من يحاول خلط الأمر عليك بالتأكيد على أنه ليس المهم معدلات النمو وإنما التنمية الشاملة، هذا صحيح، ولكن التنمية الشاملة لا تحدث ما لم تكن هناك معدلات نمو مرتفعة، ولسنوات عدة. وسوف يصدمك آخرون بالسؤال الجوهرى: كيف؟ الإجابة وسيلتان: التشغيل الكامل للاقتصاد، بمعنى أن كل المصانع والمنشآت الاقتصادية التى أغلقت أو توقفت عن العمل يجب أن تعود مرة أخرى إلى الإنتاج والتشغيل (طالب فوراً بلجان استماع تحقق فى هذه الحقيقة). الأخرى تحرير الاقتصاد المصرى مما يعيشه من قيود، سواء ما يتعلق بالاستثمار أو انتهاز الفرص المتاحة له على أرض مصر الواسعة.
تحقيق التوازن الاقتصادى يتعلق بالتخلص من عجز الموازنة العامة الذى هو الفارق ما بين المصروفات والموارد الحكومية، مع نسبتها إلى الناتج المحلى الإجمالى. الآن يتجاوز العجز ١٢٪، فلا تتخلَّ عن هدف ٨٪. سوف يقال لك إن ذلك مستحيل لأن النفقات لابد منها (رواتب، فوائد عجز الدين العام، الدعم، بعض من الاستثمار الحكومى الذى لابد منه). الكلام هنا صحيح إلا فى جانب الدعم، فمع انخفاض أسعار البترول إلى ٣٦ دولاراً للبرميل، والمقدر أن تهبط أكثر خلال العام القادم، يصير من الممكن تخفيض دعم الطاقة. لا أحد يطلب المستحيل، الممكن أن تنفذ الحكومة ما قررته وهو رفع الدعم عن الطاقة خلال خمس سنوات الآن عليها أن ترفع شريحة ٢٠١٥ و٢٠١٦ واحدة الآن والأخرى بعد ستة شهور. الوسيلة الأخرى هى قوانين الاستثمار المصرى والعربى والأجنبى، طالب الحكومة وكن حازماً معها، خاصة لو كنت من جماعة دعم الدولة غفر الله لها، ألا تعيد اختراع العجلة، وما عليها إلا أن تختار قوانين ولوائح الاستثمار فى كوريا الجنوبية أو الصين أو إندونيسيا أو سنغافورة أو الإمارات العربية المتحدة لكى تطبق فى مصر، وفوراً، وبلا تقاعس.
رفع مستويات المعيشة سوف يكون منطقياً من كل ما سبق، ولكن شرائح اجتماعية ربما لن يصيبها من الطيب نصيب، وهنا وجب على الحكومة التدخل ليس بالدعم أو بمشروعات القرى الفقيرة وإنما بالدعم النقدى المباشر كما فعلت مؤخراً بإعطاء الفلاح الذى يتجاوز سن القدرة على العمل ٥٠٠ جنيه. هناك ما هو أكثر للقول، وإنما هى بداية، والتفاصيل يمكن استنتاجها.