قنبلة 2015

عبد الناصر سلامة الجمعة 25-12-2015 21:41

أرى أن تصريح المستشار هشام جنينة عن حجم الفساد خلال العام الحالى 2015، والذى قال إنه يتجاوز ستمائة مليار جنيه، هو بمثابة قنبلة العام، التى فجَّرها فى وجه المدافعين عن السياسات الحالية، وإذا علمنا أن ما يتم رصده من فساد لا تتجاوز نسبته 35%‏ من الفساد الحقيقى فى المجتمع، لأدركنا أن الرقم الحقيقى للفساد خلال العام الواحد يقترب من 2 تريليون جنيه، أى أننا فى كل الأحوال يجب أن نحمد الله ونشكر فضله على أن الحياة مستمرة، وأن نسبة الفقر لم تتجاوز 40%‏ من أفراد المجتمع حتى الآن.

الأمر الآخر: ماذا لو علمنا أن هناك جهات ربما هى الأكثر فساداً فى مصر، لم يرصدها هشام جنينة، ولا تستطيع تقاريره الإشارة إليها، أو مجرد النظر فيها، لا بعين المراقب، ولا حتى المتابع، أو الناصح الأمين، فقط يمكن النظر إليها من كل أفراد الشعب بعين الحسود، اللى فيها عود يا حلاوة، لماذا؟ لأن أى نظرة بخلاف ذلك يمكن أن يكون فيها مساس بالأمن القومى.

قنبلة هشام جنينة تأتى فى توقيت عصيب، ٢٥ يناير على الأبواب، كالُّو فى الدماغ اسمه المظاهرات والاحتجاجات وتغيير النظام، الناس حتى الآن مشكلتها الشرطة، والقتل فى الأقسام، والتعذيب فى السجون، وتلفيق الاتهامات، مشكلتها الأسعار، وما فيش، وما عنديش، مشكلتها إنها مش لاقية اللضى، ما العمل إذن حينما يكتشفون أن النهب، والسرقة، وإهدار المال العام، والاستيلاء على أراضى الدولة، أصبحت ظواهر طبيعية فى المجتمع، ما العمل حينما يدركون أن حقوقهم تصُب فى جيوب آخرين؟!

قد تكون الرشوة والمحسوبية والابتزاز من الأمور التى أصبح يتقبلها المجتمع، ويتعامل معها كنظام حياة، ابن الخفير لا يصلح أن يكون وزيراً، وابن البواب لا يصح أن يعمل إلا فى الهباب، وابن الفلاح يا دوب يكون شهيد، وابن المكوجى بالكاد يبقى جزمجى، كل ذلك أصبح يتعامل معه الناس كنظام حياة، يتعايش الناس معه على مضض، وهم كاظمون للغيظ، لا شغل فى النيابة، ولا القضاء، ولا الشرطة، ولا العمل الدبلوماسى، ولا الأستاذية بالجامعة، ولا أى حاجة عليها الطلا، واللى مش عاجبه، يسيب البلد ويمشى، سمعناها كثيراً للأسف فى الفترة الأخيرة، بالذات من كل ولاد البوابين، فاقدى الذاكرة.

أعتقد أن تقرير هشام جنينة، أو كلامه المشار إليه، يجب أن يكون القضية الأولى والأخيرة للدولة بكل مؤسساتها، رئاسة الجمهورية، كما مجلس الوزراء، كما البرلمان الموعود، كما كل الجهات الرقابية، ولن أقول كما القضاء، إلا حينما يصدر تقرير من الجهاز المركزى، ومن الجهات الرقابية الأخرى، يبرئ ساحة كل الجهات المتعلقة بالقضاء.

وأتصور أنه إذا كان عام 2015 هو الأكثر فساداً فى تاريخ مصر، كما هو واضح من الرقم المعلن، فإن عام 2016 يجب أن يكون شعاره الأول والأخير «لا للفساد»، بما يعنى أن قضية محاربة الفساد يجب أن تكون لها الأولوية بين جميع القضايا، فمن خلال علاجها يمكن أن نتوقف عن التسول فى الداخل والخارج، ومن خلالها أيضاً يمكن أن نضمن مستقبلاً زاهراً لأبنائنا. ومن خلالها يمكن أن ننهض بالمجتمع نهضة حقيقية، دون حاجة إلى أى فنكوش من أى نوع.

الأهم من ذلك هو أن الدخول فى معترك هذه القضية بالفعل، وليس بالقول، من الآن وحتى تاريخ 25 يناير المقبل، أى على مدى شهر واحد فقط، يمكن أن يغير الكثير من المفاهيم لدى رجل الشارع، الذى يرى أن الأحوال قبل 25 يناير 2011 كانت أفضل من كل الوجوه، حتى على هذا الصعيد المتعلق بالفساد، والرشوة، والمحسوبية، وأيضاً فيما يتعلق بالتعامل داخل أقسام الشرطة، والسجون، وهو ما يجعل هناك استجابة بنسبة أو بأخرى لدعوات النزول إلى الشارع مستقبلاً.

أرى أن قنبلة هشام جنينة قد تكون جاءت فى موعدها، ولمصلحة النظام، حتى تكون هناك فرصة لتصحيح الأوضاع، بشكل أو بآخر، بمجموعة من الإجراءات والقرارات التى تتناسب مع حجم الكارثة، والتى تصب فى مصلحة المواطن أولاً وأخيراً، بدلاً من التركيز فقط على الإجراءات الأمنية التى ثبت فشلها يوماً ما، والتى لم تنجح فى احتواء الموقف على أى صعيد.