كله بالأدب (حكايات من زمن المهرجانات-3)

جمال الجمل الخميس 24-12-2015 22:00

1-

اعترف روائي مصري شهير أنه دخل عالم الأدب بمصادفة عبثية غريبة، فقد كان يدرس في إحدى الكليات البعيدة تماما عن الآداب والفنون، لكن شلة الزملاء التي ارتبط بها بحكم الدراسة والسكن في المدينة الجامعية، كانت لهم ميول أدبية، ويجلسون بالساعات في الحرم الجامعd يقرأون إبداعاتهم ويتناقشون فيها بحماس، حتى شعر بانعزال وغربة شديدة، دفعته لمحاولة أن يكون مثلهم، حتى يشاركهم الحديث.

سهر محمد ليلا، محاولا كتابة قصة، لا لشئ، إلا أن يشارك زملاءه اهتماماتهم، ويشعر أنه مثلهم، وأنهى قصته الأولى في ليلة واحدة، وفاجأهم في الصباح أنه كتب قصة ويريد أن يقرأها، كان يتصور أنه سيتعرض للسخرية، لكن السخرية منه كانت أرحم من مشاعر الانعزال والغربة التي بدأت تتسع وتهدد علاقته بزملائه.

ومن منطلق الفضول تجاوز الزملاء حالة الدهشة، وطلبوا منه أن يقرأ قصته، وكانت المفاجأة أنها نالت استحسانا من الجميع، وناقشوها بحماس وجدية دفعت طالب التجارة للاستمرار في كتابة الأدب، حتى صار لدى العرب أديب متميز اسمه محمد البساطي.

2-

مصادفة البساطي ليست نادرة في الأدب، فأنا أعرف شاعرا قرر أن يكتب الشعر لمجرد لفت نظر زميلة يحبها، لكن هذه العلاقة التي انتهت بالفشل السريع والذريع كانت مجرد مماحكة تاريخية لاكتشاف موهبة ذلك الشاعر الكبير، والأمر لا يخلو من توريطات أكثر فداحة، عندما تؤدي مثل هذه الذرائع إلى دخول الكثير من الأدعياء متوسطي الموهبة إلى دنيا الكتابة، وربما استمر فيها أيضا عديمي الموهبة، وهذا هو الهاجس الذي وضعته نصب عيني وأنا أدرس حالة الأديب الأمريكي سكوت فيتزجيرالد، الذي دخل الكتابة كوسيلة جذب واقناع للفتاة الأرستقراطية (زيلدا ساير) التي أحبها، فسخرت منه ورفضته لفقره ووضاعة مكانته الاجتماعية، حتى وجد فرصة سانحة لدخول مجال الأدب، باعتباره وسيلة متاحة للصعود الاجتماعي، واسترضاء الحبيبة.

3-

يضحك الأستاذ هيكل كثيرا، وهو يحكي لي قفشات جادة من علاقته مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم، بعضها يتعلق بالخوف من السلطة ومهابة البيروقراطية، وبعضها يتعلق بصفة البخل التي شاعت عنه، وبعضها يتعلق بنظرته الفلسفية للحياة، لكن يحضرني الآن قصة وثيقة الصلة بموضوعنا وأصوغها لكم كما يحكيها الأستاذ (مع الفارق):

هيكل: كنت أتحرج من استدعاء الحكيم لمكتبي، فأنا أقدر مكانته وقيمته الثقافية، ولا يجوز أن أستدعيه، وأفضل أن أصعد إليه في مكتبه، وتصادف أنني كنت أجد عنده ضيفا بدينا أبيض البشرة، تظهر عليه النعمة والترف، فكنت أتجنب الحديث في أي أمر يخص الحكيم أو أمور تتعلق بالعمل، وأنتظر لليوم التالي، وعندما أصعد أجد نفس الشخص، فأؤجل الأمر، ويتكرر الموقف، لذلك استأذنت من الحكيم أن ننزل معا إلى مكتبي لمناقشة بعض الأمور، وعندما جلسنا معا سألته بفضول ومودة: مين الضيف اللي دايما ألاقيه عندك ده يا توفيق بيه؟

قال الحكيم: ده غاوي أدب اسمه ثروت اباظة

هيكل: وده عنده حاجة

الحكيم: آه طبعا عنده

هيكل عنده موهبة يعني؟

الحكيم: لأ.. عنده عربية بيوصلني بها للبيت كل يوم.

ههههههههه

4-

لا أقصد من هذه الحكايات أي سخرية، أو إهانة، لا من فيتزجيرالد ولا من ثروت أباظة، ولا أريد أن أذكركم، بأن هيكل والحكيم كانوا كتابا في زمن عبدالناصر، بينما لدينا الآن رؤساء تحرير وكتاب أنتم أدرى بحالهم وما «عندهم»

فقد شاع أن الرئيس مبارك ضج من استشهاد مستشاره السياسي بآراء هيكل، وكان (أمد الله في عمره حتى يشهد الثورة الثالثة) معجبا بالعلامة صاحب الكبسولات الشافية سمير رجب، فقال لمستشاره بغضب واستهزاء: إيه هيكل ده؟ بالكتير كان بيكتب مقال كل أسبوع وطالعين بيه السما، سمير رجب بيكتب 7 مقالات في اليوم!

طبعا هذه الحكاية ليست موثقة بالفيديو، ولا يتوفر لها تسريب، لكن العهدة على الراوي وهو لايزال حيا «يرتزق»، وبهذه المناسبة الطيبة تأملت عددا من «الفيلة الزرقاء» في لقاء الرئيس، وقلت في سري: الله يرحمك يا سي نجيب، ويصونك في بيت الأدب يا مخزنجي.

دعهم في غيهم يعمهون..

وأُوَضِّح أن الحديث لايزال عن فيتزجيرالد وجاتسبي و«الجيل الضائع»، فلا تذهبوا بتفكيركم إلى أي حتة.. إبكوا معنا

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com