أبوالفضل بدران رئيس هيئة قصور الثقافة: نسينا الثقافة واكتفينا بالجلوس في «القصور»

التجربة الألمانية الحل لعلاج حالتنا.. ونستفيد من «الإماراتية» في مشروع الأقصر
كتب: أبو السعود محمد الخميس 24-12-2015 22:14

تواصل «المصرى اليوم» سلسلة حواراتها حول المشهد الثقافى، وتأثره بالمشهد السياسى عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ودور الكتاب والمثقفين والمؤسسات الثقافية فى عودة الروح للثقافة من جديد، وربطها بفعاليات الثقافة العربية كما كانت دائماً.

وفى هذه الحلقة نلتقى الشاعر والناقد الدكتور أبوالفضل بدران، رئيس هيئة قصور الثقافة، بعد أن التقينا بالشاعر والإذاعى الكبير فاروق شوشة، الذى أثار جدلا واسعا فى الوسط الثقافى والسياسى، مرورا بالكاتب الكبير محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب العرب، ثم الدكتور علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد كتاب مصر.

وفى هذا الحوار يطرح «بدران» رؤيته لتطبيق التجربة الثقافية الألمانية فى مصر من خلال موقعه بهيئة قصور الثقافة، ويعترف بضعف الأداء المؤسسى فى وزارة الثقافة، وسيطرة مراكز القوى على الهيئة، وكيف يمكن أن تكون الثقافة خط الدفاع الأول عن مصر ضد الإرهاب.. وإلى نص الحوار:

■ تعتبر هيئة قصور الثقافة الذراع التنفيذية لوزارة الثقافة، فهى تتحمل بشكل أساسى ما وصل إليه المشهد الثقافى من ترد؟

- عقدنا الأسبوع الماضى مؤتمراً لأدباء مصر فى أسوان، وحضره 350 كاتباً وأديباً، اجتمعوا كى يتناقشوا حول تجديد الخطاب الثقافى وطرح رؤيتهم لعودة الروح للثقافة من جديد، فلا ينكر أحد ما آل إليه الواقع الثقافى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، فقد أصبح لا يتناسب مع حجم الأحلام والرؤى التى نرغب فيها،للوصول لحالة ثقافية تتماشى مع الحالة الثورية فى البلد، خاصة أن الأدباء والكتاب أكثر خيالاً من غيرهم فى تطلعاتهم، وأقول إنه رغم كافة المحاولات للنهوض بالثقافة فإنها أتت دون المأمول، وهذا شىء طيب حتى نستمر فى محاولات الوصول للأفضل.

■ لكن الناس فى حالة نفور مستمر من الثقافة والمثقفين خاصة فى ظل غياب الإنتاج الثقافى الذى يعبر عنهم؟

الحقيقة أن الهوة اتسعت بين المثقفين والناس، خاصة بين الشعراء والناس بعد وفاة عبدالرحمن الأبنودى الذى استطاع أن يحافظ على جمال الشعر وبساطته، فقد طغى الأدب السردى على الأدب الشعرى، لأن الشعراء يتعاملون مع الناس بطريقة أنهم يمتلكون ناصية اللغة، وأنه على الجمهور أن يتبعهم، فانصرف الجمهور عنهم، وصار الشعراء كأنهم يقفون على بئر ممتلئة بمياه يمتلكها جمهور ولا يستطيعون تناولها، كما أننا لدينا نقادا وليس لدينا نقد فى مصر،لأن معظم الدراسات النقدية تكتب فى حوليات كليات الآداب ودار العلوم، ويطبع منها 100 نسخة على الأكثر ولا يخرج منها نسخة خارج أسوار الكلية، والشىء الآخر بعض من يقومون بالنقد والترجمة من النقد الغربى لم يستطيعوا أن يقربوا بين المصطلحات النقدية الجديدة والمتلقى العربى، فحدث شىء من النفور بين الجمهور والمثقف.

■ كيف يعود المثقف العضوى إلى الحياة الثقافية؟

- يجب أن يعود المثقف العضوى، ويتلاحم مع الناس فى آمالهم وهمومهم، خاصة فى الوقت الحالى، لأننا نحن أمام فترة يجب أن تكون الثقافة فيها خط الدفاع الأول ضد الإرهاب فى مصر، وهيئة قصور الثقافة تمتلك 650 موقعا على مستوى مصر، وتمتلك جيشا من 17 ألف موظف، هم كتيبة مقاتلين يجب أن يقوموا بدورهم فى تثقيف الجماهير، ولذلك أتمنى أن يعود مسمى الثقافة الجماهيرية، بدلاً من هيئة قصور الثقافة، لأن لفظ قصور أضر بالثقافة، لأنه جعل من الثقافة مسجونة داخل القصور، فنسينا الثقافة وجلسنا فى القصور.

■ أشعر من حديثك أن قصور الثقافة ضلت سبيلها الذى أنشئت من أجله إلى حد أكبر مما نتوقع؟

- اسمح لى أقول لك: لن تصل من حديثى بمانشيت عنوانه«انتهاء الثقافة فى مصر»، لكن الحقيقة أن هناك ضعفا وقصورا فى الأداء الثقافى المؤسسى فى مصر، وأول مؤسسة أصابها الضعف هى الهيئة العامة لقصور الثقاقة، بل وبها مراكزقوى نحاربها، ونأمل أن نحول قصور الثقافة إلى خط الدفاع الأول كما ذكرت لك من قبل، وذلك من خلال الذهاب إلى الطلاب فى الجامعات والتلاميذ فى المدارس والعمال فى المصانع والفلاحين فى القرى والنجوع، وهذا الدور هو ما أنشئت من أجله قصور الثقافة، إنما ما حدث هو أننا تركناه واكتفينا بالجلوس فى القصور.

■ حدث ذلك فى الوقت الذى ظهرت فيه تجربة ناجحة هى «ساقية الصاوى»؟

- نجحت تجربة ساقية الصاوى لأنها عرفت كيف تسوق منتجاتها، وتتواصل مع الشباب، وتجذبهم، وهو ما نعمل عليه حالياً بالتواصل مع شباب الجامعات خاصة أن هناك أكثر من 250 ألف كتاب فى مخازن الهيئة بلا فائدة، ونحن نمد أيدينا لأى هيئة تقدم ثقافة تنويرية حقيقية،لأن وزارة الثقافة ليست وحدها من تنتج الثقافة.

■ كيف يمكن إعادة دور قصور الثقافة، وماذا عن رؤيتك التى تتحدث عن تطبيق التجربة الثقافية الألمانية فى مصر؟

- هناك ركائز لرؤيتى الثقافية وهى أن يكون هناك ضمان لحرية الإبداع حرية مطلقة، ويكون الجمهور وحده هو من له حق القبول أو الرفض، وضمان حرية الملكية الفكرية، ووصول الثقافة للناس، وأن تكون هذه الثقافة مبنية على التنوير، والتنوير هو إعمال العقل بمعزل عن أى تأثير أو توجيه أو توظيف لهذا العقل، فلا يجب أن نتعالى على الجمهور، لأن الناس مثقفون بطبيعتهم، وأذكر قصة الرجل البسيط الذى جاءنى وكنت عميداً لكلية الآداب بجامعة جنوب الوادى، وسألنى سؤالا مازال يحيرنى حتى الآن، قال الرجل ماذا فعلتم أنتم أساتذة الجامعة، ووزارة التعليم العالى وزارة الثقافة فى عقل ابنى الذى جاء يكفرنى أنا وأمه بعد دخول الجامعة، وقد كان يقبل يدى صباحاً ومساءً، وإذا نظرنا إلى هذا السؤال العبقرى نكتشف أنه يضع كل المسؤولين والمثقفين أمام مسؤولية الإجابة على السؤال الذى لن تجد له أى إجابة فى أى استراتيجية للمثقفين، أما عن التجربة الألمانية التى أرغب فى تطبيقها، فهى عبارة عن فكرة كتاب لكل راكب قطار أو مترو أو أوتوبيس، حيث يكون فى كل محطة كشك كتب، يحصل كل راكب على كتاب بـ5 جنيهات، ويقرأه خلال رحلته، وإذا أعجب بالكتاب يأخذه للبيت تقرأه باقى الأسرة، وإذا لم يعجبه أو أنهى قرأته يتركه عند الوصول، ويحصل على الـ5 جنيهات من الكشك فى المحطة الأخيرة.

أما التجربة الثانية التى رأيتها فى فرانكفورت، فهى استغلال الأماكن العامة والجامعات والمصانع فى العروض المسرحية، فقد رأيت المسرحيين فى فرانكفورت يعرضون فنونهم فى فترة راحة العمال التى يتناولون فيها طعامهم على مدار ساعة، وهم لايحتاجون إلى ديكور حيث يختفون خلف الآلات المتوقفة، لتغيير أدوارهم وملابسهم وهكذا، وبذلك يستغل المسرحيون المصانع المجاورة خلال الأسبوع، ونحن هنا لدينا سيارات بها مسارح ومقاعد وديكورات كلفت ملايين لم تستغل، ولذلك سنرسل هذه السيارات للميادين لتقديم العروض، بداية من يناير المقبل.

كما سنستغل أماكن قصور الثقافة ومواقعها المتميزة فهى فى وسط المدن ومساحتها شاسعة وأبنيتها الشاهقة فى العروض المستمرة، تحت استراتيجية الخروج بالثقافة للناس، وقد بدأنا بالذهاب للطلاب فى الجامعة، ورحنا للجامعات فى الأقاليم للاستماع لهم ومناقشتهم، وأخذنا معنا 3 الآف كتاب فى كل جامعة لتوزيعها مجانا على الطلاب، كما اتفقت مع رؤساء الجامعات على فتح منافذ لبيع الكتب بـ 50 % من سعرها.

-هل مشروع كتاب لكل راكب مماثل لفكرة مهرجان القراءة للجميع؟


لا يهم الاسم، فأنا أطلق عليه اسم «مصر تقرأ»، وهذا هو المهم وليس الاسم، فلابد أن أذهب للجامعات والمدارس والقرى ومراكزالشباب، وأسد حاجة الناس للكتاب، لأنه ببساطة إذا لم نذهب سيذهب غيرنا، وإذا ذهب غيرنا قضى على أمرنا، فلن نترك الفرصة للتيارات المتطرفة لتخريب أفكار الشباب والناس هنا وهناك، فسأذهب إلى القرى لاكتشاف المواهب والعمل على إخراجها للنور، من خلال النشر الورقى والإلكترونى، خاصة بعدما عدلنا كل عقود النشر فى الهيئة بحيث يكون من حق الهيئة النشر ورقياً وإلكترونيًا.


-لماذا لا نستفيد من التجارب العربية مثل تجربة الإمارات الثقافية بصفة عامة، وتجربتي دبي والشارقة بصفة خاصة؟


نحن نسعد بتقدم الدول العربية فى الثقافة، وأن يكون هناك عواصم عربية ثقافية، ونتمنى أن يكون كل المدن والقرى فى الوطن العربى عواصم للثقافة وبل وتنافس عالميا، ونحن نقول إذا كان لدينا قصور فى مصر فإننا نحاول أن نحرك الأمر إلى أن تكون أكثر قوة وفاعلية مثلما حدث فى بعض الدول العربية، ونحن لدينا مشروع الأقصر عاصمة الثقافة العربية عام 2017، كما أن 2016 هو عام الثقافة المصرى الصينى، ونحن نستفيد من التجربة الإماراتية، خاصة فى التراث والمخطوطات، لأنه لدينا كارثة فى مخطوطاتنا لأنها منتشرة بين أيادى الناس ظنا منهم أنها إرث شخصى، يقومون بتخزينها بأشكال بدائية وسيئة، فتذهب وتتلف.