إرهاب الزمالك و«دلاديل» الكرة

أسامة خليل الأربعاء 23-12-2015 21:21

لم يخطر على بالى يوماً، وربما على بال كثيرين، أن كلمة «دلدول» التى نسمعها فى الشارع عند الإساءة لشخص والطعن فى نخوته ورجولته ستصبح من ضمن الألفاظ الدارجة بين المسؤولين فى هذا البلد، وأن تُتداول بحرية ودون خجل على شاشات التليفزيون، وتُكتب دون كسوف على أوراق الصحف، وتتقدم العناوين على المواقع الإلكترونية، وهى كلمة عندما كان يُنعت بها شخصٌ يغضب ويثور ويدافع عن كرامته بالقانون أو برد الإساءة، وهذا أضعف الإيمان إذا كان يحترم نفسه، ولكن فى هذا الزمن الذى كسر فيه الخوفُ الناسَ، وانسحقت كرامتهم حرصاً على مناصبهم، لم تعد هذه الكلمة إساءة تستحق التوقف عندها ومحاسبة من قالها، أو على الأقل معاتبته من باب الحرص على قيم ومبادئ المجتمع، اللهم إلا إذا كانت تدخل ضمن منظومة القيم والسلوك الجديدة والألفاظ اللاأدبية واللاأخلاقية التى يجب أن نربى عليها أبناء ما بعد الثورتين.

المهم، جاءت هذه الكلمة التى مازلت أراها شاذة وقبيحة ومهينة فى معرض اتهام مسؤولى نادى الزمالك لـ«وجيه أحمد»، رئيس لجنة الحكام، بالتحيز ضد فريقهم، والتواطؤ فى خسارته بثلاثة أهداف مقابل هدفين أمام نادى طلائع الجيش، وللوهلة الأولى سيتبادر إلى الذهن أن حكم المباراة محمود البنا ارتكب أخطاء فادحة، وظلم الزمالك ظلماً قاهراً لدرجة استفزت مسؤولى النادى، ودفعتهم للغضب والخروج عن مشاعرهم، والتلفظ بهذه الكلمة القبيحة التى أتبعها النادى بعقد مؤتمر صحفى اتهم فيه الحكام بالرشوة وتحدثوا عن سيديهات وملايين الجنيهات دون إشهار مستند أو «سى دى»، أو حتى شيك مكتوب على ورقة لحمة، أما المفاجأة للقارئ الذى لم ير المباراة فهى أن الحكم كان ممتازاً، ولم تقع منه أخطاء كارثية أو مؤثرة فى سير اللقاء، وأن ضربتى الجزاء اللتين احتسبهما على الزمالك صحيحتان مائة فى المائة، ولم يختلف عليهما أشد المتعصبين للزمالك، بل إن بعضهم من فرط حرجه عندما لم يجد فى الحكم عيباً وجَّه إليه اللوم لأنه لم يقف فى المكان الصحيح عند احتسابهما!

وهنا أود أن أفسر لكم بعض ما يعجز عنه المحللون، ويخاف أن يصرح به أشاوس الإعلام ومذيعو الفضائيات.

أولاً: لا يوجد تفسير لما فعله مسؤولو نادى الزمالك سوى أنه كارت إرهاب للحكام واتحاد الكرة والإعلام والكل «كليلة»، والعودة لنفس سيناريو الموسم الماضى: إما الدورى للزمالك وإما الفوضى وإلغاء الكرة، واللى مش عاجبه حنطلَّع سيديهاته ونفضحه، ولأن الأغلبية العظمى كما عايشتها فى العام الماضى إما مكسورة الجناح أو «على راسها بطحة» فتؤثر السلامة وتسلم نفسها وكرامتها والدورى والكأس هرباً من الإهانة فى ظل انشغال الدولة بجميع أجهزتها بمحاربة الإرهاب، وهو العنوان الضخم الذى تسقط أمامه أى انحرافات أخرى، فيتم تغييب القانون والعدل فى محاسبة المخطئين، ولا تتوفر الحماية لأى شخص يقول كلمة حق فى مواجهة لسان جائر.

ثانياً: لا ألوم مسؤولى الزمالك على أسلوبهم فى سلب حقوق الآخرين وخلط الباطل بالحق، واتهام الحكام بالرشوة والدلدلة، ولكن اللوم على هؤلاء الذين يهانون ويُشهَّر بسمعتهم ليعيشوا (دلاديل) لمناصبهم، مخلفين لنا منظومة كروية بلا كرامة أو احترام.

ثالثاً: وعن نفسى أرى أن كثيراً من الإعلام والإعلاميين شريك أساسى فى التأسيس لهذه الحالة الإرهابية اللاأخلاقية التى تحكم المنظومة الكروية، فالطبيعى لو أن هذا الإعلام عادل، ولديه معايير أخلاقية وأدبية وإعلامية مستنيرة ومحايدة لانتفض ضد هذه الإهانات، وطالب بمحاسبة المتجاوز واستبعاده من المجال، ولكن ما يحدث هو العكس، حيث يتم احتضان المخطئ والتسامح مع تجاوزاته فى الوقت الذى يُحارب فيه المحترم أو الضعيف، أو يسعى للقتل المعنوى لمن يختلف معهم، وهذا يقودنى للمقارنة فى معالجة الإعلام لتجاوزات مسؤولى الزمالك فى مباراة الطلائع، والحماقة التى ارتكبها الألتراس قبل مباراة الأهلى وسموحة، والتى قامت عليها الدنيا فى الإعلام، وطالب البعض بمعاملتهم كإرهابيين، والقبض عليهم والزج بهم فى السجون، وبعضهم ارتدى ثوب الأسد، وصال وجال وحرَّض الدولة وأمنها ورئيسها لقطع رقاب هؤلاء الشباب المتهورين لتجده هو نفسه، وقبل مرور ٢٤ ساعة، ينقلب فجأة إلى أرنب عند الحديث عن الأخطاء الفادحة التى ارتكبها الزمالك.

هذا الظلم فى المعالجات الإعلامية هو الذى يخلق التعصب والغضب، ويقود إلى الاحتقان ليتم الدفع بكرة النار فى حضن الدولة وأجهزتها الأمنية، لتجد نفسها تدفع ثمن غباء وضعف منظومة إعلامية وكروية غير أهل للمسؤولية، تصدر الإرهاب وهى ترتدى ثوب محاربته.

■ ■ ■

عندما يأكل أبناء الأهلى ونجومه وكباتنه بعضهم بعضاً، فتأكد أن الأهلى لن تقوم له قائمة، ولن يعود بسهولة للصدارة الأدبية والكروية والرياضية، وأنه لا يحتاج إلى إعلام زملكاوى يخترقه أو يحاربه أو حتى يهش عليه، مادام أولاده يقومون بالدور على الوجه الأكمل، فالأسبوعان الماضيان شهدا وقائع مهينة فى تاريخ النادى عندما تبادل ثلاثة من كباتنه الكبار؛ مصطفى يونس وشوبير وشادى محمد، الذين يتبارون بحب النادى وفى نفس الوقت يتبادلون أمام الناس وعلى شاشات الفضائيات الاتهامات والإهانات، ووصل بهم الأمر بعد أن انتهوا من إهانة بعضهم بعضاً بشكل مقزز، أن ذهبوا لينبشوا فى الماضى، وراحوا يُشهِّرون بحسن حمدى والخطيب والقيعى، ويتلاسنون عن عمولات وسمسرة فى شراء اللاعبين، وقبلهم كانت وصلة ردح بين الكابتن عادل هيكل وشوبير عندما اتخذ الأخير من تصريح لذكريات نجم عجوز فى «المصرى اليوم» أشار فيها إلى أن الأهلى اشترى بعض لاعبى الترسانة لتفويت مباراة كأس مصر عام ٦٦، أقول اتخذ منها «مادة خام» للتشهير بالنادى الأهلى وتسليط الضوء أكثر حتى يعرف من لم يقرأ، وهو أمر لم يلفت انتباه الإعلام الزملكاوى، فجاء النجم الأهلاوى ليثبت الواقعة وينشرها ويطبعها فى أذهان المشاهدين.. هكذا يحارب أبناء الأهلى ناديهم، ويشوِّهون صورته الذهنية النقية فى أعين جماهيرهم ويحاربون بعضهم دون أرض يكسبونها أو مصلحة ولو شخصية يحققونها.

وهنا يتعيَّن على إدارة الأهلى، التى تسعى فى المرحلة القادمة، كما فهمت من المهندس محمود طاهر، رئيس النادى، إلى إعادة جسور المودة بين النادى ونجومه باعتبارهم الدرع والسيف- يتعيَّن عليها أن تكسر شرنقة البطء وتتحرك سريعاً وتدعو نجوم الأهلى إلى حلقات حوار وحفلات شاى وجلسات شهرية يتبادلون فيها الابتسامات، وهذا أضعف الإيمان، بدلاً من أن تتركهم يأكلون بعضهم بعضاً.. اللهم نصحت، اللهم فاشهد .