وربما قال قائل إن كل ما كتبته فى المقالين السابقين يعبّر عن أمنيات كاتبه، الذى ليس له نصيب من العلم الشرعى. دعونا إذن نقرأ سويا ما كتبه الفقيه الإمام «محمد أبوزهرة»، والذى لا يجرؤ أحد -مهما اختلف معه- أن ينفى أنه عالم أصولى.
يقول الشيخ أبوزهرة فى كتابه «نظرية الحرب فى الإسلام» ما يلى:
أولا: السلام هو أصل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين بنص القرآن «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله». ووقائع السيرة النبوية تؤكد أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يرفع سيفًا على مخالفيه إلا بعد أن وقع منهم الاعتداء.
ثانيا: القتل للكفر ليس بجائز فى شريعة الإسلام.
ثالثا: آية «لا إكراه فى الدين» من المبادئ غير القابلة للنسخ، ولقد منع الرسول رجلا يريد أن يُكرِه ابنه على الإسلام.
رابعا: الحرب لا تجوز لفرض الإسلام دينا على المخالفين.
خامسا: حرية الاعتقاد فى الإسلام مكفولة.
سادسا: إذا وقع الاعتداء فالصبر خير، والقرآن لم يأمر بالقتال عند أول اعتداء: «ولئن صبرتم لهو خير للصابرين». ووصية الرسول لمعاذ: «لا تقاتلوهم حتى تدعوهم. فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يبدأوكم. فإن بدأوكم فلا تقتلوهم حتى يقتلوا منكم قتيلا. ثم أروهم ذلك القتيل وقولوا لهم: هل إلى خير من هذا سبيل؟ فلئن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت».
سابعا: فإذا كانت الحرب فلابد من الإعلان قبل الهجوم. ولقد حدث أن جيش المسلمين استولوا على «سمرقند» دون إعلان، فجعلهم عمر بن عبدالعزيز ينسحبون من المدينة.
ثامنا: فإذا وقع القتال والتحمت الجيوش فإن ضوابط القتال كثيرة، جوهرها أن الحرب للمقاتلين لا للشعوب. كان الشعب المحارب قبل الإسلام يستبيح من الشعب الآخر كل الحرمات فى الميدان وخارج الميدان. فجاء النبى ليؤكد أن القتل فى الحروب لا يتجاوز الميدان، وأن الحرب ليست بين الشعوب.
من جملة الضوابط:
1- منع قتل الشيوخ والنساء والأطفال والعمّال ورجال الدين.
2- منع التخريب والهدم والإتلاف لأن الأساس فى القتال هو رد الاعتداء وليس الانتقام.
3- منع التمثيل بالجثث.
4- إن قعدت قوة المجروح عن المقاومة لا يسوغ قتله بل يبقى ويؤسر.
5- المعاملة الكريمة للأسرى حتى اعتبرها القرآن من أكرم البر «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا».
6- ويحفظ الإسلام لرعايا الدولة المقاتلة الموجودين فى بلاد المسلمين أمنهم وأموالهم ما داموا دخلوها مستأمنين.
7- ولا يستحب كثرة القتل بين الأعداء. عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد لكثرة ما قتل من الأعداء، وقال فى ذلك:«إن فى سيفه لرهقًا» أى كثرة قتل. وقال: «تعجبنى حرب عمرو بن العاص، إنها حرب رفيقة سهلة».
8- ويبقى السؤال المهم «ألم يحدث عنف على أرض الواقع؟» الذى أجاب عنه الإمام أبوزهرة بصدق: «إنه ليس كل ما فعله الملوك الإسلاميون إسلاميا. وإذا كان بعض قواد المسلمين فى الزمن الغابر قد انحرفوا عن تعاليمه العالية فهذا ليس من الإسلام من شىء، ومهما كانت غلظة أعداء المسلمين التى دفعت قواد الجيوش الإسلامية إلى مجاراتهم فذاك ليس مبررا لمخالفة تعاليم الرسول، فأعمالهم ليست حاكمة على القواعد الدينية المقررة، بل خاضعة لهذه القواعد، ولا يخرج القانون عن كونه فاضلا مخالفته فى قليل أو كثير».
aymanguindy@yahoo.com