هل تُصدق الرئيس..؟

علاء الغطريفي الأحد 20-12-2015 21:27

تفقد اللغة معانيها إذا تكررت وصارت كلماتها صدًى لأقوال قديمة، فالأقوال القديمة الفاقدة للأثر والمنفصلة عن الفعل تصبح عديمة القيمة، تنتظر فقط تاريخًا يصنع لها جدوى ويمنحها أثرًا وثراءً ورسوخًا، إذا دفعت إلى التغيير وأحالت الكلام إلى واقع، وهنا تضل طريقها إلى مزادات التسلية أو متاحف الدعاية، الرئيس يتقاسم معنا الهم مرة أخرى فى فوضى الإيحاء بـ«القربى من السلطة»: «أنا ماليش شلة والقريب مِنّى حتى لو ما أعرفهوش.. هو كل شخص عنده حُسن خلق.. وماهر فى عمله.. ومخلص لوطنه فى أى مجال».

الكلام مكرّر ويؤكد فيه الرئيس أنه لا علاقة له بأى صوت زاعق من المطبلاتية، سواء على الشاشات أو فى طبخ الانتخابات. الخطاب المعلن الرسمى: الرئاسة لا علاقة لها بأى شىء، أما السؤال العام للرد: طيب ومن يحمل لنا فرق «مظلات التطبيل» إلى بيوتنا وإلى غرف برلماننا؟ ومن الذى أدار العملية الانتخابية، ومن يخطط لما يُسمى «دعم الدولة» أو «دعم مصر»؟ من أنتم؟.. كما قال القذافى.

من يتحدثون باسم الرئيس، لماذا نجدهم دائماً فى مقدمة الصفوف فى أى مناسبة أو افتتاح أو تدشين مشروعات، الأمر يحتاج إلى تفسير حتى ولو جرى إقصاء البعض من هؤلاء من حفلة هنا أو زيارة هناك أو جرى استبعادهم بالطريقة نفسها بين الحين والآخر من لقاءات مباشرة مع الرئيس، الطريقة لم تعد مُجدية والرسائل ضلت، بالتـأكيد المسألة يلزمها التوضيح فكيف تتقارب وتتباعد فى آن واحد مع أصوات «الطبلة» لأنه من الصعب أن نصدق شيئاً نسمعه ونرى ما يخالفه فى اليوم التالى «أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»..!

فى السياسة ما يقال فى العلن قد يخالفه بالكلية ما يحدث فى السر، ولهذا فالخطابات المباشرة من السلطة عندما تكون علنية لا يمكن أن نستخدم فيها القطعية أو القطيعة، فالتعامل مع المصريين سواسية أمر يصب فى خانة الإيجابية، أما تقريب ما يصفون أنفسهم بـ«مُفجِّرى الثورات أو منتهكى أعراض المعارضين أو حامى حمى الديار المصرية أو حامل لواء الوطنية الأوحد أو صاحب أختام التمرير السياسى أو صانع شموخ الشامخ»، فهو أمر لا يقبله عاقل أو تدافع عنه مبررات، ففى المناسبات العامة هناك سبيل يحكم الأمور ولا يمكن أن يتحول إلى ديكور كاذب، لأن الإساءة التى يحملها للمسار والكيان أكبر بكثير من أن تعبر عنها أوصاف أو تصوغها عبارات.

فى التاريخ، سيكتبون يوماً عن الطبقة السياسية التى تشكلت بعد ثورة يونيو، يومها فيديوهات اليوتيوب وأوراق الصحف وترافيك المواقع الإلكترونية ستكتب عنواناً عريضاً لتلك الصفحات، بعضها سيكتب متأدبًا عن «التراجع»، والبعض الآخر سيسجل كلامًا عن «التدنى»، وسيذهب آخرون إلى «الانحطاط».. تسألنى: «وما هى الطبقة السياسية التى تشكّلت بعد يونيو؟» وردى: «هناك طبقة تمثل خليطاً من الماضى ومنتسبى الأجهزة السابقين وجماعات مصالح ورجال مال وطلاب سلطة وماسحى أحذية لأنظمة سابقة وكومبارس سياسى وأشباه إعلاميين ومطاريد شفيق ويتامى مبارك». وإذا سألتنى: «وهل هؤلاء يتحكمون فى الأمور؟» والجواب: «ينفذون الأوامر ويتحكمون بالإيحاء ويقدمون للآخرين ولأنفسهم وعن أنفسهم ما يرونه». التاتش بتاعهم..!

النوايا الطيبة لا تأتى بالخير دوماً، فهى إن أصابت مرة فهى تخطئ غالباً، لأن الحكم ليس امتحاناً ننتظر سهولته أو صعوبته، بل هو أمر ثقيل تلفه أرقام مليونية عن أفواه البشر الذين ينتظرون طعاماً، وأرقام مليارية عن كُلفة يومية لتستمر الحياة، وتحديات بالجملة داخل وخارج الحدود، لا يمكن بحال أن تذهب لتحرث أرضك بعظام نخرة أو عضلات كاذبة، الحكم لا يستمر إلا بصناعة شركاء وليس مرتزقة، شركاء فى الحلم الذى تلازمه رؤية، والجد الذى يقترن بالإخلاص، والهدف الذى يتنزه عن الهوى، أحسب السلطة مخلصة لكن الواجب أن تفعل ما تقول وأن تصدق أنها تحكم ولا تتحكم، ففى الأولى نفاذ، أما الثانية فهى ضيقة تخدم اليوم وتهدم الغد..!

كلمة أخيرة:

الثورات ليست نزهة علينا أن نكررها بين الحين والآخر، ولهذا علينا أن نكون عقلاء مدركين تماماً لما تمر به بلادنا، الدعوة للإصلاح وتصحيح المسار واستعادة الحقوق وإرساء العدل والالتزام بالدستور، مستمرة حتى ولو كرهت السلطة، أما حديث «هدم المعبد» فهو مراهقة لا تليق بكل التضحيات التى قدمها ويقدمها المصريون.