ماسبيرو العقيم.. العظيم سابقاً

عبد الناصر سلامة الجمعة 18-12-2015 21:46

كام واحد فى مصر يشاهدون تليفزيون الدولة الرسمى الآن، المعروف بتليفزيون ماسبيرو، أعتقد أنهم أصبحوا نُدرة، إخبارياً أصبحت هناك قنوات متخصصة على قدر عالٍ من الإمكانيات والاحترافية، بدءاً من الجزيرة والعربية، مروراً بسكاى نيوز وفرانس 24، وليس انتهاء بـ«بى. بى. سى»، و«سى. إن. إن»، وحتى الروسية والأوروبية، منها جميعا نقف على أخبار بلادنا، ما ظهر منها وما بطن، من خلالها سوف نشاهد كل أحداث العالم لحظة بلحظة، على الهواء مباشرة، على مستوى الدراما كذلك، القنوات الرياضية أيضاً، القنوات المتخصصة بصفة عامة.

الواضح أننا أصبحنا خارج المنافسة فى كل المجالات بلا استثناء، وإلا لما كان هذا الانهيار الواضح فى نسب المشاهدة، انتفض القائمون على أمر التليفزيون الرسمى فى الآونة الأخيرة، قرروا إنتاج برنامج توك شو، مع بداية 2016، من الحجم الكبير، أو الحجم العائلى، على اعتبار أن مثل هذا النوع من البرامج هو الذى يجذب المشاهدين، هى برامج الإثارة والوقيعة، والأخذ والرد، حتى الآن ممكن، مُولد ويجب أن نشارك، هوجة وأمرنا لله.

الغريب هو ما أعلنه هذا المسؤول أو ذاك من داخل ماسبيرو، بأنه سوف يجمع لهذا البرنامج الذى سوف ينتظره المشاهدون بفارغ الصبر، حفنة من نوعية هؤلاء المذيعين الذين يتبادلون فيما بينهم الاتهامات بالفساد والانحطاط الأخلاقى بصفة يومية، معظمهم من الذين عفى عليهم الزمن، وبسببهم كره الناس حياتهم وليس التليفزيون فقط، سوف يضم البرنامج مَن كانوا فى ذلك العصر يهللون، ثم فى ذاك العهد يطبلون، ثم الآن ينافقون، وسوف ننتظر منهم تجميع كل هذه القدرات الخارقة لمخاطبة الناس خلال الفترة المقبلة، أملاً فى النهوض بتلك المؤسسة الخاسرة، والفاشلة، وسيئة السمعة فى آن واحد.

على نظرية «تمخض الجبل فولد فأراً»، جاء إعلان ماسبيرو، فعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية لم تكن تأتى أخبار من هناك سوى الاحتجاجات والاعتصامات، التى تحولت الآن إلى جزاءات وخصومات، يتخلل كل ذلك طوال الوقت الحديث عن إعادة الهيكلة، وضرورة الاستغناء عن 30 ألف موظف من بين نحو 42 ألفا يمثلون حجم العمالة هناك، وعن ضرورة تخفيض حجم الخسائر السنوية، وخفض دعم الدولة البالغ مليارات الجنيهات.

لم يحدث ذات يوم أن كان الحديث عن رفع المستوى المهنى والفنى لهذه العمالة أو تلك، فقط صبغة الشعر من النوع الردىء أصبحت هى العامل المشترك بين الذكور من وجوه الشاشة، عمليات التجميل والشد هى العامل المشترك بين الإناث، الأخطاء اللغوية والضحالة الفكرية تجمع هؤلاء وأولئك، انفضّ الناس من حولهم ربما لحساب قنوات أكثر سوءاً، إلا أنها فى النهاية استطاعت الترويج لنفسها بطريقة أكثر احترافية، فعلى الرغم من أنها تعمل لحساب أصحابها، قبل أن تعمل لحساب مصر، فإنها استغلت الفشل الرسمى، الذى راح يبحث عما هو أكثر فشلاً، بدلاً من أن يتدارك الأسباب.

أعتقد أنه آن أوان البحث عمن يُفكر بطريقة أكثر خبرة ومهنية لماسبيرو، قبل إعادة إنتاج ذلك التهريج المعتاد، وكأن مصر ذات المائة مليون نسمة قد نضبت من الكفاءات، أو حتى الوجوه المقبولة، لم يكلف أحد نفسه عناء البحث عن مواهب جديدة، أو حقيقية، وكأن الفشل مكتوب على جبين هذه الأُمَّة إلى ما لا نهاية له، آن أوان التفكير بطرق علمية وغير تقليدية للمرحلة المقبلة، بدلاً من ذلك العُقم الذى بدا مزمناً إلى الحد الذى لم نحاول معه اكتشاف آخرين أكثر إيماناً بوطنهم، وأكثر اتساقاً مع أنفسهم، الذين لم يتلوثوا بتقلبات الماضى والحاضر.

من الآخر، ودون افتئات على أحد، أرى أن الطريقة التى أدار بها قيادات ماسبيرو المرحلة الحالية، خاصة ما تعلق منها بتلك الأفكار السابق الإشارة إليها حول ذلك البرنامج المزعوم، تشير فى كل الأحوال إلى أنه لا أمل فى أى إصلاح لذلك القطاع العقيم، الذى كان عظيماً ذات يوم، عندما كانت تنهل منه كل دول المنطقة، أفريقياً وعربياً، بما يتطلب الآن إعادة الهيكلة فى صفوف القيادات، قبل هيكلة العمال والموظفين، فقد بدا واضحاً أن العجْز والعجَز هما المشكلة الحقيقية فى ماسبيرو، لذا فالطيور على أشكالها تقع.