«لم أنضم يومًا لحزب.. فأنا خادم للعلم وليس للسياسة، وأخاف على مصر، وأخطر ما فيها غياب الحوار، وأرى أن السياسة فيها سوسة تنخر في جسد الأوطان، خصوصًا مع طباع الشعب المصري» بهذه الكلمات القليلة كان يرى نفسه الدكتور إبراهيم بدران.
ذلك الرجل، الذي غادر الحياة بعد 81 عامًا عاشها، لكنها كانت أعوامًا ذات خبرات وحيوات متعددة، تحمل بداخلها سنوات النصر، والنكسة، العلم والبحث، العمل والكفاح، فالرجل، الذي برع في الجراحة لم يكن طبيبًا فقط، بل محاربا، شارك في الدفاع عن أرض مصر، بعد نكسة 1967، كما كان مدافعا عن البحث العلمي، حيث يرى أن مستقبل الأمم لا يقوم إلا بالاهتمام بالعلم.
ولد بدران في 27 أكتوبر عام 1934، وهو الابن الأصغر، لضابط شرطة، وله من الأخوة 12 أخا وأخت، ولم يكن التحاقه بالطب عن رغبة منه، ولكن لرغبة والده، بعد أن عاش معه يمرضه، بسبب إصابته بالشلل.
حصل بدران على بكالريوس الطب، عام 1947، وتخصص في الجراحة العامة عام 1951، وتدرج في المناصب العلمية حتى وصل إلى منصب وزير الصحة عام 1976، وتولى رئاسة جامعة القاهرة عام 1978، وبلغ منصب رئيس أكاديمية البحث العلمي عام 1980، ومن المناصب الأخرى التي تولاها، عضو هيئة الصحة العالمية لشرق البحر الأبيض المتوسط، وعضو الجمعية الطبية العالمية في بروكسل، وعضو الهيئة الاستشارية بهيئة الصحة العالمية، واختتم حياته بمنصب رئيس المجمع العلمي.
«بكيت حتى الصباح»، كان هذا هو تعليق «بدران»، على رحيل أستاذه الدكتور محمود حافظ رئيس المجمع العلمي، والذي توفى في نفس يوم حريق المجلس، إبان ثورة يناير، ويقول عنه «كنت أرى الحريق في التليفزيون، ولم يكن بيدي حيلة، فأنا رجل عجوز أنهيت رسالتى ومازلت أعافر، فلم أجد سوى البكاء على هذا المبنى صاحب الـ200 عام، و291 ألف مجلد ومرجع علمي.
رغم ابتعاد «بدران» عن السياسة، لكنه كان يرى ثورة 25 يناير، ثورة مجيدة، نتجت عن فجوة مخيفة، بين الأغنياء والفقراء، كانت ناتجة عن مرحلة التحول الاقتصادي إلى الرأسمالية المنفردة، بعد انتصار أكتوبر، حيث دخلت مصر في كبوتين، أولهما التحول الاقتصادي، وثانيهما الاحتضان بالغرب، ووضع مستقبل الأرض في يد أمريكا.
«بدران»، كرّمته الدولة، عن رحلته العلمية أكثر من مرة، آخرها تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسي له في عيد العلم الـ24، والتي أصر فيها السيسي على أن يساعده في الوصول إلى مقعده، ثم عاد مرة أخرى إلى المنصة لاستكمال الاحتفالية، وقد حصل على أوسمة كثيرة منها وسام العلوم والتعليم من الجمهورية الفرنسية 1080، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى ووسام جوقة الشرف من درجة فارس في فرنسا 1983، وسام العلوم والفنون وجائزة الدولة التقديرية في العلوم 1985.
له العديد من المؤلفات منها كتاب في ثلاثة أجزاء في الجراحة العامة، ونظرة مستقبلية للتعليم الجامعي في مصر، نظرة مستقبلية للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مصر.