بعد انتهاء فصل الدبلوماسية الناعمة في لعبة «العصا والجزرة» بين السعودية وإيران، قررت المملكة تغيير قواعد اللعبة مجددا، ولجأت إلى «مخلب» الجيش الإسلامى، لمحاصرة طهران «الشيعية» بحشدها تحالفا ضم حتى الآن ٣٤ دولة «سنية»، الأمر الذي اعتبره المراقبون «نقطة فاصلة» في إعادة صياغة الخريطة الإقليمية.
ومع بدء الحديث عن عودة للعلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض، بعد إعلان الأولى أن الرياض قدمت سفيرها الجديد إلى طهران، في خطوة نحو إذابة الجليد بين البلدين، أسرعت المملكة بعدها بساعات إلى إعلان تشكيل «الجيش الإسلامى» من دول سنية، وسط غياب لدول عربية وإسلامية محسوبة على محور إيران مثل العراق وسوريا وسلطنة عمان.
وعندما يتركز الحديث عن السعودية وإيران، فإننا بصدد قوتين من الصعب الاستهانة بإحداهما في تشكيل ميزان القوى الإقليمية داخل خريطة الشرق الأوسط عموما، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وتولد الصراع بين الكتلتين على مدار عقود طويلة أفرزه الاختلاف العقائدى والأيديولوجى بين المعسكرين الوهابى في المملكة العربية، والشيعى في الجمهورية الإسلامية.
ووسط المحاولات المستميتة من جانب إيران، لزيادة المد الشيعى في الشرق الأوسط، استشعرت دول مجلس التعاون الخليجى خطورة الهدف، وعلى رأسها السعودية، وانعكس ذلك على محاولة كل طرف حشد أكبر كمية ممكنة من الأسلحة الدفاعية والهجومية على حد سواء.
ومما لاشك فيه أن السباق العسكرى بين السعودية وإيران يهدف في المقام الأول إلى حماية المصالح الاقتصادية لكل طرف، بعيدا عن كونه «حائط صد» أمام أي اختراق أو تحرش عسكرى محتمل، فكلتا الدولتين من كبار منتجى ومصدرى النفط، وتحتويان على مخزون هائل من البترول، ما يضعهما في حالة تأهب مستمر لوقوع حرب.
والثابت عمليا أن إيران تسيطر على حقولها النفطية بشكل جيد، بينما تعانى السعودية من أزمة الحقول النفطية في المناطق الشرقية من المملكة، وهى المناطق التي تتواجد بها كثافة شيعية كبيرة قد تكون عاملًا سلبيا للحكومة السعودية لحظة اندلاع الحرب.
ويظهر من هذه المعطيات أن السعودية أدركت ضرورة محاصرة الطرف الإيرانى مؤخرا بعدة أوراق ضغط سواء كانت دبلوماسية أو عسكرية، لتقويض مطامع إيران التوسعية في المنطقة.
من جانبه، رصد الكاتب السياسى السعودى سلمان الأنصارى عدة خيارات أمام السعودية، منها حشد غالبية الدول الإسلامية ضد إيران، وتفعيل دورها الاستخباراتى، لزعزعة أمن حكومة إيران من الداخل، خاصة فيما يتعلق بتحرير دولة الأحواز العربية، وتفعيل دور الأقليات المضطهدة كالبلوشتان والأكراد وغيرهما، انتهاء بتحركات السعودية العسكرية، للسيطرة على الأجواء اليمنية مع دول التحالف، لقطع الطريق أمام الأخطبوط الإيرانى عن طريق بوابة «الحوثيين».
ودخلت شبكة «سى. إن. إن» الأمريكية الإخبارية لقراءة المشهد وتفنيد أبعاده، فرأت أن ثقة السعودية في القطب الأمريكى تزعزعت، بعد عودة الاتصالات بين واشنطن وطهران، مضيفة أن المملكة لا تفكر في فك الارتباط بالكامل مع الولايات المتحدة، ولكنها قد تعمد إلى تبنى سياسة أكثر استقلالية على الصعيد الخارجى، وهو ما بدا عبر زيادة الدعم والتدريب لمجموعات المعارضة الإسلامية في سوريا، وتكوين الجيش الإسلامى المكون من تحالف ضم حتى الآن ٣٤ دولة «سنية» ضد إيران، وكلها دلالات على أن السعودية بدأت مرحلة «القرارات الجريئة»، لمواجهة التحديات الخارجية والإقليمية.
ويبدو منطقيا أن تلجأ السعودية إلى ورقة الجيش الإسلامى، لتخويف الطرف الإيرانى، بعد انتهاء فصل الدبلوماسية، في إطار لعبة «العصا والجزرة» المعروفة، خصوصا أن المملكة صارت تملك رابع أكبر ميزانية عسكرية في العالم بإجمالى ٥٦.٧ مليار دولار لعام ٢٠١٥، بينما تحتل الميزانية العسكرية لإيران المركز رقم ٣٣ بإجمالى ٦.٣ مليار دولار، وهو ما يعكس اهتماما متناميا من الرياض بترسانتها الحربية وجيشها.
وتتبادل إيران والسعودية التفوق بشكل عام في الأسلحة المختلفة، إذ تملك إيران قرابة ١٦٥٨ دبابة، لتصبح في المركز الـ١٧ عالميا، مقابل ١٢١٠ دبابات للسعودية في المركز الـ ٢٢، وتملك إيران ١٣١٥ عربة قتالية، ما يجعلها تحتل المركز رقم ٥٣، مقابل ٥٤٧٢ عربة للسعودية في المركز الـ ١٣، وصولا إلى احتلال إيران المركز الخامس لعدد منصات إطلاق الصواريخ بإجمالى ١٤٧٤ منصة، بينما تأتى السعودية في المركز ١٣ بإجمالى ٣٢٢ منصة فقط.
وتجاوزت السعودية خصمها الفارسى بنَيْلها المركز الـ ١٧ عالميا في إجمالى عدد الطائرات الحربية بعدد ٦٧٥ طائرة حربية، مقابل ٤٧١ طائرة لإيران، فضلا عن التفوق السعودى في حيازة المقاتلات والطائرات الهجومية، على ضوء صفقات السلاح المستمرة مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
وفى المقابل، تتفوق إيران من حيث إجمالى أعداد أفراد القوات المسلحة، حيث تحتل المركز الثامن عالميا بإجمالى ٥٤٥ ألف جندى في الخدمة، بينما تأتى السعودية في المركز الـ ٢٤ بإجمالى ٢٣٣.٥ ألف جندى في الخدمة، طبقًا لإحصائيات عام ٢٠١٤، ويبلغ عدد قوات الاحتياط الإيرانية ١.٨ مليون جندى، مقابل ٢٥ ألفا في الجانب السعودى، وبالتالى في حالة اندلاع حرب، فإن هناك حوالى ٤٦ مليون إيرانى لائق للخدمة العسكرية نظريًا، مقابل ١٥ مليون سعودى فقط.