اخترت لبطلتى اسم سعاد لأنه لايحمل أي دلالة مثلها تماما، فبدلا من عملها في الصحافة كان من الممكن أن تكون موظفة في بنك أو كاشير في محل خردوات أو مرشدة سياحية أو ممرضة في مستشفى، الصحافة بالنسبة لها وظيفة وليست هواية أو رسالة ،إمرأة تقليدية، سلاحها المكر وتصورها عن الشرف ينحسر في النصف الأسفل من جسدها.
رحلة صعودها متواكبة مع صعود طبقة رجال الأعمال التي ارادت ان تزيد نفوذها بنفادها إلى السلطة، أنها دليل من أدلة فساد عصر مبارك، حيث كان اختيار القيادات يتم من بين الأقل كفاءة والأكثر مرونة وطاعة، هؤلاء الذين ليس لهم تاريخ يخافون عليه ،لا عائلة تردعهم ولا قيم تكبح جماحهم ولاايديولوجيا تجعل لهم مرجعية أو رؤية استراتيجية، رؤيتهم الوحيدة هي المزيد من التملك في زمن معاك قرش تساوى قرش وسلم لى على الفهلوة.
أول رشوة ُقدمت لها من رجل اعمال كانت ساعة روليكس ،الرشوة المفضلة في مصر، رؤساء التحرير يحرصون على ارتداءها بأعتبارها من معاييرالتميز الذي يسمح لهم بدخول نادى النخبة.
بدأت سعاد حياتها الصحفية كمحررة في قسم التحقيقات ،لم تلفت نظر أحد، كانت بسيطة ضحوكة لاتبحث عن التميز ولا تنافس احد، في حالها تقوم بما يطلب منها وتعود لزوجها واولادها في مواعيد منتظمة، سنوات مرت عليها وهى على حالها، لم تدخل يوما لرئيس التحرير كغيرها من المحررين، فالنشيط كان يريد علاوة وحافز والطموح كان يريد ترقية والحقود كان يريد ان يحدث فتنة والكسول يشكو رئيسه، أما هي فكانت قانعة بماهى عليه.
أمثال هؤلاء القانعين يلفتون أنظار رؤسائهم، رضاهم وسكوتهم دليل على أنهم اشخاص لاتفتعل المشاكل ولاتريدها، والرؤساء يستريحون لهذه النوعية ويختاروهم للترقى، فهم يضمنون ولائهم كما أن كفاءتهم المتواضعة تجعلهم دائما قانعين بما يمنح لهم ولايطالبون بأكثر منه وهم على استعداد تام لتلقى الأوامر والطاعة دون تذمرأو محاولة تمرد أو اثبات الذات.
اختيار سعاد لتكون رئيسة قسم التحقيقات كان مفاجأة غير متوقعة، كان هناك من يكبرها سنا ونشاطا وكفاءة، لكن اختيارات رؤساء التحريرلاترد ولاتناقش إلا في الخفاء. بعد فترة استطاعت سعاد ان تكسب رضى الجميع، كانت عازفة عن السلطة وتدرك قدرها، فتركت لجميع صحفى القسم الحرية في اختيار الموضوعات التي يريدون العمل فيها، واعطت صلاحيتها للزملاء الذين كانوا ينافسوها على رئاسة القسم ،وحظيت سعاد بأعجاب الجميع، فهى بسيطة غير متسلطة ومتعاونة.
في تسعينات القرن الماضى، لم يكن لدى رجال الأعمال نوافذ إعلامية، كانوا يشترون منافذ في الصجف القومية عن طريق الإعلان عن مؤسساتهم أوصداقات تربطهم برؤساء التحرير أو كبار الصحفيين في تلك المؤسسات.
في تلك الفترة ،جاء حادث غير حياة سعاد وادخلها عالم اختلط فيه الإعلام بالإعلان بالفساد ،قتل ابن رجل أعمال معروف طفلا بالخطأ، كان رجل الأعمال صديق شخصى لرئيس التحرير، اراد الأخير ان يوظف جريدته في مساندة صديقه في محنته، وخاصة بعدما شاعت مشاعر كراهية في الشارع المصرى تجاه الحادث الذي كان دليل جديد على استهتار أبناء رجال الأعمال بأرواح البسطاء وحماقتهم وعجرفتهم.
بتعليمات من رئيس التحرير قادت سعاد بنفسها حملة صحفية لتجميل صورة رجل الأعمال وابنه، اجرت لقاء مع أسرة الطفل المتوفى الذي قدم لهم رجل الأعمال تعويض ضخم، جاؤا بشهود ليؤكدوا ان الحادث لم يكن فيه خطأ من جانب ابن رجل الأعمال لكنه كان قضاء وقدر!!، أنتهى الأمر بتنازل أسرة القتيل عن حقها في التقاضى وتم الافراج عن ابن رجل الاعمال وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الخير عم على الكل، لم ينس رجل الأعمال موقف سعاد، حدثت طفرة في حياتها، فبعد أن كانت تعيش في شقة متواضعة في الدور السادس والأخير في منطقة شعبية انتقلت لشقة جديدة في منطقة أفضل بكثير،وبدأت تعرف طريقها لعالم رجال اللأعمال الذىن استخدموها كأداة لخدمة مصالحهم ،وكل شىء بثمنه في المقابل كانوا يعطونها عقود اعلانات ضخمة تتقاضى عنها عمولات كبيرة، لم تشعر سعاد يوما بالذنب، ففى دولة الفساد، كل الآثام لها قوانين تحميها وتقرها ،كان كل ما تفعله تحت عين رئيس التحرير وبموافقته وتشجيعه.
وضعها في الجريدة يقوى يوم بعد يوم وترقيتها مستمرة ،مع الزمن ظهر لها مخالب وأنياب تدافع بهاعن مصالحها.
مع بداية دخول رجال الأعمال عالم الصحافة والفضائيات، أسس رجل الاعمال إياه مؤسسة إعلامية تضم جريدة وموقع وقناة فضائية واسند إليها رئاستها.
بعد ثورة يناير، أعتبر رجل الأعمال إياه من الفلول وتقلص دور مؤسسته وأهميتها، حتى عادت اكثر قوة قبل 30 يونيو وبعدها، وقدمت نفسها بأعتبارها مساندة للسيسى انتظارا للحظة جنى الثمار ولكن توقعاته خابت.
المهم أنه حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها عن صاحبة العصمة والسعادة «سعاد»مازالت تجمع بين منصبها في الصحيفة القومية ومؤسسة رجل الأعمال، ومازالت تحتفظ ببساطتها وضحكاتها التي تبدو في صورها مع الرئيس.
ektebly@hotmail.com