كيف تُؤمم شعبك..؟!!

علاء الغطريفي الإثنين 14-12-2015 21:27

فى كتابه «الهروب من الحرية» يكشف عالم التحليل النفسى الأمريكى «إريك فروم»، فى ضوء تجربة الألمان مع هتلر، أن «الناس قد يمارسون الهروب من الحرية حتى وإن بدا هذا نابعاً من إرادتهم الذاتية»، فى هذه التجربة تلخص الأمر فى أن رضوخ الألمان للفوهرر لم يكن اختياراً لهم بقدر ما كان فعل «اضطرار» دفعت إليه الظروف القاسية التى واجهتها ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى، فقد قرر هذا الشعب الجريح المهزوم والخائف من المستقبل أن يؤمم إرادته ويسلم قياده لذات شريرة اضطراراً، ومن ثم جاءت النكسة لاحقا، وبصورة لم يكن يتخيلها أحد، وكان الثمن دماء ووطناً وضريبة ستدفعها الأجيال المتعاقبة من الألمان!.

«1» «الفلاحون الذين كانوا قد رُبطوا بالأرض عدة قرون حُرموا فيها من حريتهم قد عادوا أخيراً إلى الحياة وأفاقوا من وهدتهم وتلقوا، لأول مرة منذ عهد صلاح الدين، الدروس الأولية فى المواطنة والقومية»، لم يكن هذا الوصف من بعض الغلاة للجنود المصريين سوى صياغة تزدرى الأمة المصرية وكأنها «كيان أزلى أبدى ينتظر فقط لحظة ظهور محمد على للتجلى على مسرح التاريخ»، فى حين أنها كانت- كما يقول د. خالد فهمى، فى «كل رجال الباشا»- كيانا متوحدا أزليا يمتلك إرادة واعية مؤهلة بالقوة للحكم الذاتى والسيادة».

«2» ربيع 1953.. عبدالناصر أمام الجماهير فى مدينة المنصورة: هيئة التحرير ليست حزباً سياسياً يجر المغانم على أصحابه أو يستهدف شهوة الحكم والسلطان، وإنما هى أداة لتنظيم قوى الشعب وإعادة بناء مجتمعه على أسس جديدة صالحة، أساسها الفرد. فنحن نؤمن بأن أى نهضة لا يمكن أن تقوم إلا إذا آمن الفرد ببلده وقدرته. وأن إعادة بناء هذا الوطن لن تتم إلا إذا قام كل فرد بواجبه. فلن نستطيع وحدنا أن نقيم هذا البناء.. انتهى كلام عبدالناصر، وجاء بعد الهيئة الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى العربى، ومنظمة الشباب، ولم تذهب مصر إلى الأمام رغم أنه دعا الجماهير فى نفس الخطاب بأن «تتذرع بالصبر»!!.

«3» «9 و10 يونيو 1967».. الجماهير فى الشوارع تهتف لبقاء «جمال» فى السلطة، الهزيمة حركت الجموع فى لحظة وعى نادرة، الجماهير تطالب بإنشاء ميليشيات وطنية، الفورة الشعبية بلغت العنان رغبة فى حماية البلاد، القواعد تريد المشاركة فى تحديد مصير الوطن وقوى المجتمع الحقيقية ترغب فى أن تضع يدها فى يد السلطة بعد سنوات كاذبة- كان المضىء فيها «دحر الاستعمار»- استيقظ بعدها الجميع على الهزيمة فى ساعات، وكعادة السلطة جرى وقتها تحييد الجماهير لأن المشاركة تعنى اقتسام سلطة التقرير فى البلاد والعباد، وبالتفاف يقوده زكريا محيى الدين وبخطاب من عبدالناصر نفسه تم احتواء الفوران الشعبى، وبعدها تلجيم الرأى العام بمحاكمات قادة الطيران، وبعدها إعادة المحاكمة، وعادت القواعد مرة أخرى لتأكل وتشرب وتنام وتتكاثر، ومن يعافر فيها كان مصيره الملاحقة والقمع.

«4» السبت 25 ديسمبر 2010.. أحمد عز فى مقال مطول لليوم السابع: بالنسبة للمجلس الحالى «برلمان 2010» لعلها فرصة لأن يثبت للمجتمع أن المساءلة الموضوعية والمستندة إلى حقائق ودلائل، قد تكون نموذجا يرسى منهجا جديدا للرقابة أكثر تأثيرا فى صنع السياسات العامة، لعلنا نقنع المواطن بأن هناك بالفعل وسيلة أفضل للجرائد أو المجلات، الرقابة الحقيقية تكون من خلال طرح أسئلة مهمة مستندة إلى بيانات صحيحة تقنع المسؤول قبل من يقدم السؤال.. قد يكون طلب مناقشة عامة واحد من أعضائنا أكثر تأثيرا من 20 استجوابا للمعارضة.. هذه هى مسؤولية الحزب الوطنى فى البرلمان الحالى.

«5» 9 ديسمبر 2015.. ما يسمى «ائتلاف دعم الدولة المصرية» يعلن وثيقة نصها: انطلاقا من المبادئ والمقومات الأساسية للدستور الذى توافق عليه المصريون، وفى سبيل ترسيخ دعائم دولة حديثة أساسها العدل واحترام القانون وحماية الحقوق والحريات، وسعياً لدور نيابى فعال من رقابة وتشريع، فقد رأى عدد من نواب الشعب وجود كتلة برلمانية موحدة تتوافق على هذه المبادئ، لذلك فقد اتجهت إرادة هؤلاء النواب إلى تشكيل كتلة برلمانية باسم (الكتلة البرلمانية لدعم الدولة المصرية) أساسها المبادئ والأهداف سالفة البيان، يتجرد فى سبيل تحقيقها أعضاء تلك الكتلة من الانتماءات الحزبية أو الميول الفكرية أو الاتجاهات السياسية إعلاءً لمصلحة الوطن والشعب. ولن أجد تعليقا أفضل مما كتبه الدكتور غالى شكرى عن الاتحاد الاشتراكى «كان عباءة واسعة يتستر وراءها الجميع، ويستفيد منها أولئك المتمترسون فى قلاع السلطة ومراكزها الحساسة»، فهنيئاً لنا بالنسخة الجديدة من هيئات المواثيق التى أغرقتنا فى الكذب طوال عقود، وكانت أرخص من الحبر الذى كُتبت به!.

«6» 11 ديسمبر 2015.. النائب الوفدى اللواء بدوى عبداللطيف يكشف للصحف أنه انضم إلى ما يسمى «تحالف دعم الدولة المصرية» مضطراً «الأمن الوطنى بعتولنا رسايل للانضمام لائتلاف دعم الدولة المصرية، هما اللى قالوا لنا ادخلوا فدخلنا، والتوقيع جاء لإنقاذ الدولة المصرية». يرفض الرجل الائتلاف وبالرغم من ذلك ينضم صاغراً ويكتفى بتوجيه انتقادات إلى «التحالف» و«فى حب مصر»، وتتلازم معها مشاهد مضحكة مبكية بين مؤيدين ومعارضين لسيطرة جنرال «فى حب مصر» على اختيارات غنائم ما تحت القبة «رغم أن الجنازة حارة والميت برلمان».

لم يكن «سيف اليزل» أو «أحمد عز» أو غيرهما عبر التاريخ سوى أدوات لإسقاط شعب فى بئر الرعية ليرى بعيونهم، ويفهم بعقولهم، ويدرك أشياءه بمصالحهم، الشعوب ليست دمى، فالحياة التى تدب فى الأوصال لن يوقف جريانها تصلب شرايين الماضى أو سيوف مسلطة على عنق الحرية.

اقرأوا التاريخ، ففى الكتاب صفحات سوداء لا نرغب فى تكرارها، ومن ثم الإصلاح الإصلاح، فالتنوير واجب والنصيحة حق، والكائن «السامح» ومَن وراءه لن يفلت من أيادى المؤرخين، ومعهم كل من رفع قلما أو صوتا أو يدا أو إشارة ليقتل السياسة فى وقت احتجناها فيه، لأن الحياة لا تسير إلا بدفع الناس بعضهم ببعض حتى لا تفسد الأرض.

الشعوب لا تُؤمم حتى وإن ظن البعض كذلك، والنهاية دائما للأسف كانت «نكسة»، عودوا إلى محمد على وعبدالناصر ومن جاءوا بعدهما، وتدبروا المشهد الختامى فإنه مأساوى مثل اللعنات فى مآسى الإغريق!.